شهر رمضان الكريم له شوق خاص في قلوب الكبار وحتى بعض الصغار، ذلك أن قدومه يحفز بعض الأطفال على الصوم لتقليد آبائهم أو أقرانهم، ورغم الجوع والعطش وطول النهار بسبب تزامن رمضان مع عز الصيف، إلا أن بعض الأطفال كما أظهره الاستطلاع قاوموا ليتعلموا بذلك أولى دروس الصبر، لكن في المقابل هناك صغار لا تستهويهم فكرة الصيام بل أن آباءهم متخوفون من أن يصيب الصيام فلذات أكبادهم بمكروه..ولهذا ارتأت ''المساء'' أن تسأل بعض المختصين عن المسائل المهمة التي يجب عدم إغفالها قبل السماح للطفل بالصوم لأول مرة وكيفية تحفيزهم على خوض تجربة الصيام. يعد صيام الطفل لأول مرة في المجتمع الجزائري حدثا خاصا، يتطلب احياء بعض التقاليد والعادات التي تعكس أهمية وقدسية واجب الصوم.. وتختلف هذه التقاليد من منطقة إلى أخرى ما يعطي لصوم الصغير نكهة خاصة ويحفزه على التنافس مع أقرانه للتمكن من صوم أكثر قدر ممكن من أيام الشهر..وهذه المنافسة تخلق أجواء خاصة وسط العائلات الجزائرية التي لديها صغار تتراوح أعمارهم ما بين خمس وعشر سنوات. ومن الطقوس المتداولة عند صيام الطفل لأول مرة أن يوضع خاتم أو سوار من ذهب داخل كأس ''الشاربات'' (عصير الليمون) الذي يشرب منه الطفل تفاؤلا بحياة ملؤها الخير. أما في بعض المناطق يحصل الطفل الصائم على النقود من باب التشجيع..وفضلا عن ذلك تتم تلبية مشتهيات الطفل الصائم. كما يحرص البعض على أن يرتدي ملابس تقليدية. لكن تجدر الإشارة إلى أن العديد من العائلات تخلت عن اتباع هذه التقاليد. ولا تخفى على أحد أهمية تحفيز الطفل على الصوم في رمضان منذ الصغر حتى يشب ولديه وعي بمعاني الصوم السامية، وبالتالي التمكن من أداء فرض ديني يصبح إجباريا في سن البلوغ على كلا الجنسين. وفي هذا الصدد، تبين من الاستطلاع الذي أجرته ''المساء'' أن بعض الصغار يحرصون على تحقيق شرف الانضمام إلى مائدة الإفطار رغم الحرارة اللافحة، في حين يتقاعس البعض الآخر عن خوض تجربة الصوم إما لعدم وجود الاستعداد النفسي لذلك أو استجابة لأوامر أوليائهم الذين يعتقدون بأن الصوم شاق بالنسبة للصغار الذين لم يبلغوا سن العاشرة بعد. تقليد الأقران يحكي السيد ''ع. عمر'' عن تجربته في تعويد طفلته ياسمين (9 سنوات) على الصيام: ''لم أتعب في تدريبها اطلاقا..لقد اتخذت قرار الصوم لوحدها دون أن نطلب منها ذلك في السنة الفارطة كما كان الحال مع شقيقاتها (14 سنة و17 سنة على التوالي)..صامت ياسمين عدة أيام رغبة منها في تقليد الأقران..وظفرت في يومها الأول بأكلة خاصة..أما هذه السنة تصوم يوما وتفطر يوما دون ان تظهر عليها أعراض الإرهاق." وبباب عزون بالعاصمة استوقفتنا ''أم وسيم'' فروت لنا أن صغيرها الذي لم يبلغ سن السادسة بعد صام لأول مرة خلال رمضان هذه السنة مقلدا قريبته..وعن مدى تمكنه من مقاومة العطش والجوع تجيب الأم: ''لقد كان يشكو من ذلك بين حين وآخر، لكننا حرصنا على تشجيعه إلى آخر دقيقة..طبعا شكل هذا الحدث فرحة خاصة عملت على تكريسها من خلال كسائه ببدلة جديدة وإشعال الشموع." وكان ''الفلان'' التحلية التي كافأت به ''أم ابراهيم'' ابنها صاحب العشر سنوات عندما صام لأول مرة منذ سنتين لأنه يحبها كثيرا. وتقول محدثتنا: ''لم أجد صعوبة في إقناع ابراهيم بضرورة الصوم، لأنني كنت أحدثه دوما عن هذه المناسبة وخصائصها..ولأنه تدرب على الصيام لم يفطر في رمضان السنة الجارية إلا مرتين." الصغيرة نعيمة (9 سنوات) التي التقينا بها في سوق ساحة الشهداء رفقة والدتها صامت هي الأخرى لأول مرة في السنة الماضية مدفوعة بتشجيعات والدها، فكان مجموع ما صامته هو أربعة أيام..أما هذه المرة فقد أفطرت خلال يومين فقط..سألناها عما إذا كان الصيام يتعبها فأشارت: ''نعم أشعر بالتعب قليلا، غير أنني أقدر على المقاومة." صغار يرفضون الصوم وآباء متخوفون وعلى خلاف هؤلاء الصغار الذين يملكون الاستعداد للصوم هناك فئة أخرى عجزت عن خوض غمار التجربة..منهم الفتاة ''أسماء'' (8سنوات) التي رفضت الصوم وسببت لوالدتها حيرة كبيرة وقلقا وخوفا من أن تستمر في الرفض في الأعوام المقبلة أيضا. طفل دون السابعة كان رفقة والدته سألناه عما إذا كان صائما فقال ''لا''. ثم سرعان ما تدخلت والدته لتصرح: ''لا أفكر اطلاقا في تحفيزه على الصوم في هذا السن، فهو شاق بالنسبة لنا نحن الكبار فما بالك بهذه الشريحة." وجاء على لسان سيدة أخرى اصطحبت طفلتيها اللتين تبلغان من العمر 8 و9 سنوات على التوالي: ''لقد قررتا أن تصوما في السابع والعشرين من رمضان، لكنني صراحة خائفة من أن يصيبهما مكروه، لهذا لم أقرر بعد إن كنت سأسمح لهما بذلك أم لا." رأي الدين:التدرج في تدريب الطفل يقول المفتي زين الدين العربي إمام بمسجد ابن فارس بالعاصمة ان عملية تعويد الطفل على الصيام تحتاج إلى الرفق والتدرج، إذ لا يمكن للطفل أن يصوم رمضان دفعة واحدة. ومن المستحسن أن تبدأ تجربة الصيام مابين سن الثامنة والتاسعة، بعد تدريب الطفل عليها في سن السابعة. والأسرة لها دور أساسي في هذه العملية، ومن الشائع في العاصمة هو أن يتم تشجيع الطفل على الصوم في السابع والعشرين لتبقى ذكرى راسخة في ذهنه، في حين يفضل البعض الآخر أن يصوم يوما في العشر الأوائل ويوما في العشر الأواسط ويوما في العشر الآواخر. ويقول المفتي أنه من المستحسن ان يتم البدء في تدريب الطفل في سن مبكرة وإجباره في سن العاشرة، لاسيما وأن بعض الفتيات يكن في هذه المرحلة على وشك البلوغ، وذلك قياسا لحديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) فالصلاة مرتبطة بالصوم حتى يسهل بعد ذلك أداء الفريضتين. وعن طريقة التعامل مع الأطفال الذين لا تروق لهم فكرة الصوم يجيب السيد رابح مرابطي، عضو في مجلس الإفتاء بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، أن تحفيز الأطفال على الصيام مرهون باتباع جملة من الخطوات أساسها القدوة الفعلية، فالطفل الذي ينشأ منذ الصغر في جو أسري يبرز فضائل الصيام وقيمة رمضان، يتشوق للصوم خاصة في اليوم السابع والعشرين من رمضان المبارك. ومن المفيد أيضا أن يحبب الآباء الصيام لأطفالهم عن طريق القصص التي تتناول آداب الصيام، وهي متوفرة بكثرة في المكتبات. ويضيف المصدر بأنه من المستحب أن يبدأ تدريب الصغار على الصوم منذ سن السابعة أو الثامنة من خلال تشجيعهم على الإمساك عن الأكل والشرب لمدة ساعة أو ساعتين في اليوم. مع مراعاة تحفيزهم بالهدايا أو بإعداد أطباق خاصة عند موعد الإفطار كما جرت العادة في المجتمع، فهذا الأسلوب له أثر جد إيجابي في تشويق الأطفال لخوض تجربة الصوم. رأي الطب:مراعاة قدرة الطفل على التحمل وللاستفسار حملنا سؤالنا إلى طبيبة أطفال تعمل بعيادتها الخاصة على مستوى شارع بلوزداد بالعاصمة فأوضحت أنه يمكن تدريبه ابتداء من السنة السابعة أو الثامنة حسب استعداد الطفل ورغبته، ويكون تدريبه على الصيام من خلال إدراك مدى قدرة الطفل على التحمل. فقد يبلغ السابعة أو العاشرة ولكن جسمه ضعيف لا يحتمل الصوم، فالطفل قوي البنية يختلف عن الطفل الضعيف أو المريض الذي لا يستطيع الصيام لفترات طويلة. وعلى الوالدين مراقبة الطفل فإذا شعرا بمرض أو إرهاق أو عدم تحمله الصيام وجب عليهما أن يسارعا إلى إفطاره..ويعد الشحوب والفشل من علامات هبوط السكر..ففي هذه الحالة يجب إجباره على الإفطار حتى وإن أصر على مواصلة الصوم. أما بالنسبة للوجبة الغذائية التي يجب أن يتناولها الطفل فيجب أن تحتوي على كمية معتبرة من الخضر إضافة إلى إمداده بالفواكه التي تزود الجسم بالسكريات ببطء..ونشير هنا إلى أن مشروب ''الشربات'' الذي تعطيه بعض الأمهات لصغارهن الصائمين مباشرة عقب آذان المغرب مفيد للطفل الذي يحتاج السكريات التي تزود الجسم بالطاقة بسرعة لتعويض ما فقده، لكن ينبغي الانتباه إلى أن هذا لا يعني أن يكثر من تناول السكريات وباقي الحلويات الرمضانية. وللإشارة ينبه الأطباء إلى إن بعض الأمراض تمنع الأطفال من الصيام مثل مرض البول السكري وفقر الدم والكلى وقرحة المعدة ومرض السل.