تبقى التفجيرات النووية بصحراء رقان التي أجرتها فرنسا الاستعمارية في حق الجزائريين ذات يوم من سنة 1960 من بين أكبر المجازر الفرنسية المرعبة منذ 132 سنة خلت من احتلال الجزائر باعتبارها وصمة عار في جبينها تطاردها الى الأبد مهما حاولت التهرب والتنصل منها عبر الأكاذيب والنصوص القانونية الممجدة لجلاديها.وتتعالى الأصوات المنادية بإنصاف الجزائريين أمام هذه الغطرسة الفرنسية وتجريم أعمالها من خلال الضغط على الإدارة الفرنسية لحملها على الاعتراف وتعويض الضحايا الذين لازالوا يعيشون ويلات هذه الجرائم إلى يومنا هذا. وأمام تعنت الطرف الفرنسي أمام المطالب الجزائرية الشرعية اتجاه هذه المجازر التي طمست الصفحات المشرقة من تاريخ فرنسا، تطالب المنظمات والجمعيات التاريخية والمتتبعون لهذا المد والجزر في تاريخ العلاقات الجزائرية الفرنسية بالتحرك على كافة الأصعدة لرد الاعتبار لحقوق الجزائريين بإنشاء محاكم خاصة لمحاكمة فرنسا الاستعمارية. وتعتبر عضو اللجنة الوطنية لمناهضة الفكر الاستعماري المحامية فاطمة الزهراء بن براهم بخصوص هذه التجارب المصادفة ل13 فيفري 1960 أن هذه المحاكم الخاصة ستتكفل بمتابعة هذا الملف قضائيا وبشكل غير قابل للتشكيك أو التلاعب من طرف الإدارة الفرنسية التي تواصل تنكرها للجزائريين ضمن قانون التعويض الذي أصدرته السنة الماضية (2009) خاصة من خلال تمسكها بفكرة خلو أماكن هذه التجارب من أي أثر للحياة. كما تشير المحامية المبادرة باقتراح فكرة المحاكم الخاصة إلى أن العديد من التقارير السرية التي قدمها بعض الفرنسيين الذين كانوا في الميدان تشير إلى تواجد ما يقارب 40 ألف شخص في المدن المجاورة لرقان و10 آلاف بين عسكري ومدني مشتغلين بالمنطقة. حيث تسلط الضوء على الجانب القانوني لهذه التجارب التي أجبرت فرنسا على الاعتراف بها سنة 2005 على أساس أنها كانت تجارب نظيفة أقيمت في مكان غير مأهول، مع أن حقيقة الأمر تستدعي وصف هذه الأعمال بالجرائم ضد الإنسانية، نظرا لفظاعة المخلفات البشرية والانعكاسات الصحية والبيئية المترتبة عنها، وهو ما يتطابق مع مضمون اتفاق روما المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية. ويرى المتتعبون لهذا الملف أنه من الضروري إصدار قانون يجرم الاستعمار للتمكن بشكل فعلي من محاكمة الجرائم الفرنسية وفق اتفاق روما الذي يقر العقوبة لكل معتد أجنبي على بلد آخر. وأكثر من ذلك دعوة المعنيين والجهات المسؤولة إلى مواصلة البحث في مثل هذه القضايا الإنسانية التي تكشف عن نوع جديد من الجريمة ضد الدولة. ومن جهته، يؤكد الباحث في التاريخ السيد منصوري المتابع لهذا الملف أن اعتراف فرنسا بهذه التجارب لابد منه ولامفر منه، لعلها تتمكن من التراجع عن كذبها أمام منظمة الأممالمتحدة بشأن هذه التجارب التي استهدفت محو الجزائريين، ومن ثم التوصل الى إثبات الحقوق الجزائرية وافتكاك التعويضات واثبات مجازر فرنسا الاستعمارية أمام المحاكم الخاصة. كما أضاف أن فرنسا أرادت من وراء قيامها بهذه التجارب إعلان دخولها النادي النووي العسكري الى جانب الدول العظمى، موضحا أن عدد هذه التجارب النووية يصل الى 57 تفجيرا ضم 40 تجربة تكميلية تراوحت بين الجوية والباطنية، بينما تحدثت فرنسا إلا عن 17 تجربة فقط. وفي هذا المجال، تزداد الدواعي لتشديد لهجة التجريم والمطالبة بالتعويض لاسيما أمام الانعكاسات الخطيرة لهذه الأعمال على الجانب الصحي حيث يركز المختصون في أمراض السرطان على آثار الإشعاعات النووية بصحراء رقان وعين أكر والحمودية والتي تصبح مع مرور الوقت أكثر خطورة على الصحة البشرية والحيوانية، حيث تؤدي إلى الموت المحتم ل50 بالمائة من المعرضين لها. وتؤكد الطبيبة آسيا موساي أن الأمراض السرطانية الخطيرة التي تحدثها هذه الإشعاعات تدوم لسنوات عديدة كسرطان الدم، الثدي لدى النساء، سرطان الدرقية، بالإضافة إلى الأمراض الوراثية الأخرى. وبإمكانها الظهور بعد 20 إلى 40 سنة دون أن يشعر بها المعرض لهذه الإشعاعات، بشكل يساهم في حدوث تشوهات خلقية بليغة لدى الأطفال، والإصابة بالعقم المؤقت أو النهائي. ومهما تعددت وتنوعت الجرائم الفرنسية ضد الجزائريين، يبقى الاعتراف بها قدرا محتوما يمهد الطريق لاحقا لفتح ملف آخر يتمثل في واجب التعويض.