طالبت العديد من العائلات السلطات المعنية باحترام حرمة الموتى، عند القيام بعمليات إعادة تهيئة المسجد العتيق سيدي امحمد ببلوزداد الذي شرعت إحدى المقاولات منذ أربعة أشهر في ترميمه، وإعادة شواهد قبور موتاها المدفونين بجوار ضريح الولي الصالح، وذكر أحد أفراد عائلة ''أمين'' الذي زار ''المساء'' وبحوزته العديد من الوثائق التي تثبت انتسابه لعائلة المشايخ المدفونين بالقرب من ضريح سيدي امحمد المدعو ''بوقبرين''، أنه لما زار المسجد المذكور وجده عبارة عن ورشة مفتوحة بغرض إعادة ترميمه، لكن ما أثار حفيظته هو تلك القبور المطموسة وشواهدها المنزوعة والموضوعة في إحدى زوايا المسجد، بعد أن كانت في العراء وفي وضعية لا تحسد عليها. وروى لنا ممثل عائلة ''أمين'' رحلة بحثه عن الحل بين مختلف الإدارات ومنها الدائرة الإدراية لحسين داي صاحبة المشروع، وكذا مديرية الشؤون الدينية التي لم تعطه الجواب الكافي حول وضعية القبور، مشيراً إلى أنه لما سأل المكلفين بالأشغال قالوا له بأن المكان سيتحول إلى جزء من قاعة الصلاة، خاصة وأن أرضيته أعيد تفريشها بطبقة خرسانية سميكة لم تترك أي أثر للقبور القديمة ولا حتى تلك الشواهد الدالة عليها، مما أثار حفيظته، معتبراً ذلك مساساً بحرمة الموتى، ولا سيما وأن منهم علماء وفقهاء، ومنهم جده الإمام والقاضي أمين قدور بن محمد الذي كان وكيلاً بضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي، وتتلمذ على يده العلامة المرحوم الشيخ عبد الرحمن الجيلالي، وقال محدثنا إنه راسل الجهات المعنية لإعادة النظر في الأشغال، والأخذ في الحسبان شواهد القبور، لاسيما تلك الخاصة بالشخصيات الفقهية والعلمية التي تدخل ضمن تاريخ الأمة، وفي هذا الإطار ذكر لنا السيد ياسين أمين أن والده أوصاه بقبور الأجداد خيراً ومنهم الجد الأخير الإمام قدور بن محمد المدفون داخل محيط المسجد بجوار الضريح. وفي زيارتنا للمسجد المذكور وجدنا العديد من شواهد القبور التي تناهز الثلاثين، موضوعة بإحدى زوايا الخلوة والتعبد، وأخبرنا القائم بتنفيذ أشغال الترميم السيد عبد الحميد صخري الذي وجدناه بعين المكان أنه عندما شرع في الأشغال منذ بداية أوت الماضي وجد الشواهد مرمية خارج المسجد، وتم إدخالها إلى المسجد وحفظها من التلف والتخريب، وأنه يسهر على ترميم المسجد وفق التصميم الذي قام به مكتب الدراسات المتخصص، وأن الدائرة الإدارية لحسين داي هي صاحبة المشروع حيث خصصت مبلغ 5,2 مليار سنتيم لهذا المشروع. أما إمام مسجد سيدي امحمد فأوضح ل''المساء'' أن المكان كان للتعبد والخلوة وإقامة الصلوات منذ حسن باشا في القرن الثامن عشر، معدداً الأئمة المتعاقبين على المسجد ومنهم الإمام قايد محمود، العلامة الشيخ بومزراقٍ، الإمام لكحل، الشيخ بن صالح، الإمام الفنادقي، الشيخ بلقاسم مدني. مشيراً إلى أن ظاهرة دفن الموتى بصحن المسجد تعود إلى ما قبل خمسينيات القرن الماضي، لأنه في تلك الحقبة كانت العديد من العائلات تفضل الدفن بجوار الولي الصالح تيمّناً وتبرّكاً به، حيث وصل عددها الثلاثين، وأن لديه قائمة بأسماء المدفونين. أما بشأن الشواهد فلم ينف محدثنا نزعها خلال العشرية السوداء، وأنه لم يكن أحد يسال عن هذه القبور، لكنه أكد أن عدد العائلات المداومة على زيارة موتاها المدفونين في محيط المسجد لا تتعدى الثماني، وأن وزارة الشؤون الدينية منعت الدفن منذ الاستقلال. وبشأن قبور عائلة أمين أوضح الإمام بجاوي أنه يمكن إعادة تثبيت الشاهد المنزوع، أما البقية المسجلة في القائمة فسوف يتم وضع أسمائها على جدارية رخامية بالجدار المقابل لمكان القبور المندثرة، مضيفاً أن أهالي الموتى فهموا أن وضعية القبور المندثرة وأنه لا يليق إثارة فتنة من أجل وضع شواهد، بمكان تقام فيه الصلوات الخمس والجمعة والأعياد، ولم ينف محدثنا أن هناك أطرافاً تسعى إلى تحريم الصلاة فوق القبور القديمة أو المندثرة، رغم أن الرأي الفقهي فصل في ذلك بالجواز، والحرام هو أن ندوس على آيات مكتوبة على القبور، أو نرمي النجاسة عليها. وذكر لنا الشيخ بجاوي الذي أطلعنا على زوايا المسجد أن ''الطابية'' وهي مساحة تضم قبوراً أمام مدخل المسجد قد تم نزع شواهدها من طرف أهاليها وتم وضعها في الجدار المقابل. وروى لنا الإمام أن مدخل المسجد يضم قبر أحد تلامذة الولي الصالح الذي أوصى بذلك، تبركاً بالمكان وزواره، ولذلك فرغم أن المقبرة تتسع لدفن الموتى إلا أن الأهالي كانوا في تلك الحقبة يحرصون على دفن موتاهم بجوار الضريح. من جانبه أكد لنا السيد صخري القائم بالأشغال أن أصل البناية هو مكان للخلوة والتعبد للصوفي مؤسس الطريقة الرحمانية سيدي امحمد القادم من منطقة آيت إسماعيل بمنطقة بوغني بتيزي وزو درس في الأزهر ثم دخل إلى الجزائر في القرن الثامن عشر وانطلق في العمل الديني التعبدي، وكان ينزل من مسجده إلى باب الدزيرة ويدفع الأموال للعمال الذين يشتغلون في نسج شباك الصيد كي يلتحقوا بحلقات العلم والفقه وتخرج على يده العديد من العلماء، وتوفي في مسقط رأسه آيت إسماعيل ببوغني وأوصى بدفنه في مكان تعبده وهو المسجد الذي اكتمل بعد سنتين من وفاته، وتم توسيع المسجد في عهد حسن باشا، وتحول صحن المسجد بعد عقود إلى مقبرة لعائلات مقربة من الولي الصالح وقد أطلعنا السيد صخري على شاهدين أمام محراب المسجد أحدهما على اليمين وهو للمسماة سعدية بنت سيدي أحمد الشيخ بن عبد الرحمن المتوفية سنة 1269 ه وعلى اليسار قبر حنيفة بنت قدور البربري 1285 ه، وقد اكتشفهما المقاول مطموسين تحت طبقة في جدار المحراب، كما لاحظنا قبر وكيل المسجد على يمين الضريح.