دخلت الأزمة الليبية أسبوعها الثاني دون بصيص أمل بإمكانية انتهائها بل أن غموضا ما انفك يكتنف تطوراتها في ظل الإغلاق الإعلامي المفروض على هذا البلد العربي الذي بدأ يسير تدريجيا باتجاه الحرب الأهلية المفتوحة. وكانت خطابات العقيد الليبي معمر القذافي في زخم تلك الأحداث اكبر نذير بوقوع مثل هذا الاحتمال الكارثي في حالة وقوعه وخاصة بعد أن حذر بفتح مخازن الذخيرة والسلاح لصالح أنصاره وهو مؤشر خطير بل انه يعد في حالة تنفيذه بمثابة ''صب زيت'' إضافي على نار ليبيا الملتهبة. وتكشف مثل هذه الدعوة على أن القذافي فقد أوراق سلطته بمجرد إدلاء نجله سيف الإسلام لخطاب هدد فيه المتظاهرين في بنغازي منتصف الشهر الجاري والذي عرف منعرجا خطيرا بمجرد سقوط أول ضحايا هذه المواجهات لتتحول شوارع مختلف مدن شرق البلاد إلى حمام دم حقيقي سقط خلاله مئات الليبيين وسط غموض حول حقيقة ما يجري. وأكد رئيس الحكومة الايطالي سيلفيو برليسكوني على وضعية الفلتان هذه وقال في تجمع سياسي لحزبه أن ''العقيد القذافي لا يسيطر على الوضع في بلاده'' وطالب بضرورة وضع حد لحمام الدم الذي يعرفه هذا البلد. وهي المرة الأولى التي يدلي فيها برليسكوني بمثل هذا التصريح وهو الذي التزم الصمت إزاء ما يجري في ليبيا وسط حسابات مصلحية لبلاده ولشخصه أيضا ولكنه راجع نفسه لينتهي إلى هذه القناعة وقال أن الوضع الجيو-سياسي يتغير في منطقة لا تعرف الاستقرار وان ايطاليا معنية بما يجري في محيطها. وتجد تصريحات الوزير الأول الايطالي صدقيتها في ظل انكماش هامش المناورة في محيط الرئيس الليبي الذي رغم قوة الرد الذي اعتمده لردع المتظاهرين المطالبين برحيله إلا انه فشل بعد 12 يوما في احتوائه بعد أن فقد كل أمل في استعادة سلطته المتهاوية بل أن متاعبه تزداد تعقيدا باتساع قائمة المقربين منه المتخلين عنه والمدن الليبية التي سقطت تباعا بين أيدي المعارضين له، وأيضا بعد أن زادت عزلته على الساحة الدولية قبل عقوبات وشيكة تسعى المجموعة الدولية فرضها على ليبيا قصد تعجيل الإطاحة به. ولكن الأخطر من كل ذلك أن أعدادا كبيرة من عناصر قواته تمردت عليه والتحقت بصفوف المتظاهرين الذين تحولت تسميتهم من مجرد معارضين شباب للنظام بفضل مواقع التواصل الاجتماعي إلى ثوار هدفهم النهائي الإطاحة بنظامه الذي حكم البلاد طيلة 42 عاما كان آخرهم التحاق خمسة عقداء نهار الجمعة بالمتظاهرين دون الحديث عن أعضاء السلك الدبلوماسي الليبي في الخارج الذين كسروا عصا الطاعة في وجه العقيد الليبي. وحتى عبد الرحمن شلقم رئيس البعثة الدبلوماسية الليبية في الأممالمتحدة الذي بقي وفيا لصديقه العقيد عاد أمس ليقول أن القذافي يجب أن يرحل، مناشدا المجموعة الدولية '' إنقاذ ليبيا لوقف عمليات التقتيل ووصل به الأمر إلى حد تشبيه القذافي بمجرم الحرب الكمبوتشي بول بوت او ادولف هتلر..''. ولم يجد عشرات آلاف الرعايا الأجانب العاملين في هذا البلد في ظل الفوضى العارمة والخوف من اللحظة القادمة سوى البحث عن طريقة للرحيل والمغادرة بعد أن قررت بلدانهم إرسال سفن وطائرات من اجل إجلائهم إلى دول الجوار تحسبا لأيام عصيبة في ليبيا. ولكن الترقب قائم بخصوص القرارات التي سيتخذها مجلس الأمن الدولي بخصوص الوضع المتازم في ليبيا مع احتمالات متزايدة لإقامة منطقة حظر جوي عليها بهدف وقف حمام الدم المتواصل هناك واعتبار ما يحدث فيها جرائم ضد الإنسانية ومنع القذافي من مغادرة بلاده بالإضافة إلى تجميد أرصدته.