اجتاحت الثورة التكنولوجية كل بقاع العالم، ومع انتشارها تغيرت طرق التواصل بعد أن صارت تعتمد على الهاتف النقال والبريد الإلكتروني وغرف الدردشة عبر ''النات''، والنتيجة أن الكثيرين منا يهنئون ويعزون ويسألون عن المريض والأصدقاء والأهل بواسطة هذه الوسائل، فهل هذا الأمر مؤشر على أن علاقاتنا الاجتماعية تواجه خطر الانحسار؟ في هذا الموضوع نستعرض آراء حول تأثيرات هذه الوسائل الجديدة على علاقاتنا الاجتماعية.. باختصار يدور فحوى الإشكال حول ما يلي: هل أدت وسائل التكنولوجيا الحديثة إلى تقليص حجم التواصل الاجتماعي أم إلى توسيعه؟ وجاءت الإجابات مختلفة... يشير فريق من الأفراد بأصابع الاتهام إلى تقنيات الاتصال الحديثة، على أنها السبب في تقليص حجم التواصل بين أفراد الجيل الحالي، وبكل صراحة تقول السيدة ''ماجدة '': ''إن هذه التقنيات سلختني عن الواقع الاجتماعي، حيث صرت أعتمد على الهاتف النقال في أداء العديد من الواجبات على غرار التهاني في المناسبات السعيدة والأعياد، وتقديم التعازي والسؤال عن المريض حتى لا أكلف نفسي عناء التنقل.. وتواصل اعترافها: ''مؤخرا سألت عن قريبة مريضة عن طريق الهاتف النقال، رغم أنه كان بوسعي أن اقتطف حيزا زمنيا من أيام الأسبوع لأقصدها في منزلها.. صراحة لقد كرست هذه الوسائل الكسل الذي أصاب علاقاتنا الاجتماعية بالفتور''. وتعلق على الموضوع قائلة: ''المفترض أنه لا يجب أن نسمح لها بالتأثير على الحياة الاجتماعية، فالعواطف الحقيقية لا يمكن ترجمتها عن طريق وسيلة جامدة، حتى لو كانت بالصوت والصورة'' وتبدي الآنسة ''صابرينة. ل'' (مخرجة) رأيها في الموضوع بالقول: ''إن التطور الذي شهدته وسائل التكنولوجيا الحديثة قصر المسافات وأبعد العلاقات.. والضحية هي روح التفاعل الاجتماعي التي خمدت حرارتها بين العديد من الناس في انتشار عادة الاعتماد على رسائل الهاتف النقال للتواصل... فوسائل التكنولوجيا عموما استغلت رغبة الإنسان في الحديث، والفارق الوحيد بين الأمس واليوم، هو أن الكلام كان بالمجان وعلى المباشر والآن أصبح بالمقابل ويتم بين حواجز''. وتشاطرها الرأي السيدة ''سناء'' (محامية) والتي ترى أن وسائل الاتصال الحديثة، لا سيما الأنترنت والهاتف النقال، قلصت الروابط الاجتماعية بشكل جد ملفت، فبعد أن سلب جهاز التلفاز اهتمام وأوقات شرائح واسعة، جاء دور الهاتف النقال والانترنت ليزيدا في درجة التباعد بين البشر... وأنا شخصيا وقفت على هذه الظاهرة في محيطي العائلي، حيث تتذمر شقيقاتي من وصول الضيوف وقت استعمالهن لبعض وسائل الاتصال ويؤجلن بعض الأشغال الضرورية والزيارات الواجبة بسبب إدمانهن على هذه الوسائل''.. وعلى العكس من ذلك، يرفض البعض الآخر فكرة أن تكون وسائل الاتصال الحديثة السبب المباشر في تراجع حيز التواصل الاجتماعي، وفي هذا الشأن يؤكد السيد ''محمد'' (صحفي) على أهمية التواصل المباشر بعيدا عن وسائل التكنولوجيا الحديثة مع الأهل والأصدقاء والمعارف، مستبعدا فكرة أن تكون هذه التقنيات مؤثرًا سلبيا على العلاقاتِ الاجتماعية بالضرورة أو مقلصا لحجم التواصل بين الأفراد. وأشار إلى أن هذه الوسائل جاءت لتخدم الإنسان، وهنا تكمن المفارقة، فهناك من يحسن استخدامها فيما يدعم التقارب الإنساني والتعاملات العامة، وهناك من لا يجيد استعمالها بسبب تمحور اهتماماته على أمور أخرى بعيدة عن الاتصال بالآخرين. ويضيف قائلا ل ''المساء'': ''لكن من الخطأ أن تصبح التقنية التكنولوجية هي الوسيلة الوحيدة للتواصُل مع الآخرين، وهو ما يحدث في وسط العديد من شباب اليوم، فالإدمان عليها يشيد حواجز بين الناس ويهدد بتقليص روح التفاعل الاجتماعي في المجتمع، وهو أمر يعكس مشكل غياب توجيه النشء الجديد ومراقبته لدى استخدامه لوسائل الاتصال الجديدة.. ولهذا السبب فإن أنماط استعمالها تختلف باختلاف المستوى الثقافي والشخصية، حيث أن الشخص الواعي والذي ترعرع في وسط يشجع التواصل يبن الأقارب والناس عامة، يحسن غالبا استعمال هذه الوسائل واستغلالها فيما يخدم رح التواصل الكامنة فيه، والعكس صحيح، برأيي هذه الأداة المتطورة يمكن أن تزيد من الاتصال بمن حولنا وتوطد علاقاتنا الاجتماعية.. لكن هل يفهم الجميع ذلك؟ وبدوره يرفض الشاب ''سامي. م'' (موظف متعلم) أن يكون لوسائل التكنولوجية الحديثة يد في تراجع روح التفاعل الاجتماعي بين الأفراد، مرجعا الفتور المسجل في السنوات الأخيرة إلى أنانية الأفراد والنزعة الفردانية التي جعلت البعض يركضون وراء مصالحهم الشخصية ويضعون أولوية التواصل مع المقربين والأصدقاء على الهامش. وبحسب الخبراء، فإن الثورة التكنولوجية عموما، ساهمت إلى حد كبير في تغيير نمط التواصل بين الأفراد في كافة المجتمعات، ففي السابق كان الناس يتزاورون ويعتمدون على الاتصال المباشر من خلال الاجتماع في المجالس المخصصة لذلك في مناطق سكناهم، ما جعل العلاقات الاجتماعية بينهم أوطد، لكن ظهور التقنيات الحديثة غير من طبيعة التعاملات بين البشر، إلا أن هذا لا ينفي آثارها الإيجابية، على غرار السرعة في نقل الأخبار والتواصل مع المغتربين. فلهذه الوسائل فوائد كثيرة لمن يجيد استخدامها وانتقاء ما هو أحسن، للاستفادة منها بما يتيح توسيع مساحات العلاقات الإنسانية ونشر الأفكار البناءة.