أكّد الكاتب الجزائري واسيني الأعرج أنّ الأعمال التي قاربت الأحداث التي يشهدها العالم العربي والثورات التي شهدتها بعض دوله، جاءت نوعاً من الاستشراف والقراءة لما إليه المجتمع العربي في ظلّ الأوضاع التي كانت تعيشها، ولكن من دون أن يعرف أحد متى وأين وكيف؟ فقد كان من المستحيل أن تظلّ مجتمعات بكلّ هذا الكم والقمع والإرادة من دون أن يأتي عليها وقت لا يكون هناك فرق فيه بين الحياة أو الموت. وأضاف في حوار ل''الإمارات اليوم''، كما في روايتي ''المخطوطة الشرقية'' التي تشير إلى الحكّام وكيف يأتي بهم، وكيف ينسفهم الشعب بثورة عارمة''، وأوضح واسيني الأعرج أنّ الكاتب يحتاج إلى مسافة فاصلة وزمن للتأمّل قبل الكتابة عن الأحداث المهمة التي تشهدها المنطقة حالياً، وقال ''ولكن تأمّل إلى متى؟ أرى أنّ النص عندما يفرض نفسه على الكاتب، مثلما في أحداث الإرهاب التي فرضت نفسها على روايتي ''حارسة الظلال'' وحقّقت نجاحاً كبيراً على الرغم من أنّها كتبت في خضم الأحداث، فالكاتب يجب أن يكون شاهدا على عصره، ولا أستطيع أن أصمت في لحظة تاريخية حسّاسة، قد يكون هناك كتاب يحتاجون لوقت أطول قبل أن يكتبوا عن هذه الأحداث، ولكن وقتها قد يكون هناك جيل جديد يقدّم رؤيته، فكلّ زمن له رجاله''. وعن علاقة المثقف بالسلطة، أشار صاحب جائزة زايد للكتاب إلى ''أنّ المناصب هي خيارات شخصية بالنسبة للمثقف، حيث يرى في بعض الأحيان أنّه يمكن أن يؤدي دورا ما ضمن الجهاز الحكومي، وأن يمشي وراء مسؤولياته إلى أبعد الحدود على ألاّ يصطدم مشروعه الشخصي العقلاني بالسلطان، ولكن إذا حدث هذا الصدام يجد المثقف نفسه أمام خيارين؛ إمّا أن يستقيل ويترك المنصب، أو أن يقبل باللعبة وهو ما يحدث في معظم الأحوال''. وحول تدخّله، في ظلّ خبرته كمترجم، في الترجمات التي تصدر لأعماله بلغات مختلفة، أشار واسيني الأعرج إلى أنّه يشترط في الترجمة إلى الفرنسية أن يتدخّل في النصّ، حيث تعامل مع مترجم دائم، ويقوم بمراجعة كلّ فصل ينتهي المترجم منه وإدخال ما يراه من تعديلات عليه، مضيفاً ''أمّا بالنسبة للترجمة إلى لغات أخرى غير (الفرنسية) فلا أتدخّل فيها لأنّه من الصعب أن أتقن كلّ اللغات، وفي النهاية تظلّ الترجمة حرفة قائمة بذاتها وتحتاج إلى وقت وجهد كبيرين''. واعترف الكاتب الجزائري بأنّ شخصية ''مريم'' التي تكرّرت في رواياته، هزمت كاتبها وتمرّدت عليه فلم يفلح في التخلّص منها، ولذلك ستظلّ حاضرة في رواياته، ''من الصعب قتل شخصية حتى لو تكرّرت في أعمالي، فهي تحمل تلوينات مختلفة وهذا ما يمنحها القدرة على الاستمرار، حيث تمثّل المرأة الصديقة والحبيبة والأمّ والوطن أيضاً''، وأضاف ''حتى في نصي الأخير ''أصابع لوليتا'' أطلقت العديد من الأسماء على بطلة الرواية، ولكنني في النهاية أميل إلى اسم مريم''. ويحضّر الروائي الجزائري واسيني الأعرج رواية جديدة تحت عنوان ''أصابع لوليتا'' بالتزامن مع معرض بيروت الدولي للكتاب أواخر السنة الجارية، تدور أحداثها حول فتاة من ''فراشات الجنة'' وعلاقتها بأحد الكتّاب وكيف يتقاطع مصيرهما في عاصمة الجن والملائكة. العمل الجديد لواسيني، تدور أحداثه حول كاتب تجاوز عمره العقد السادس من العمر، سبق أن صدر في حقّه حكم بالإعدام لمساندته الرئيس الجزائري الأسبق بن بلة في مقالاته، ليس لأنّه يعمل في السياسة ولكن لأنه كان يرى في بن بلة صورة والده، ثم يعود فيكتب عن الحركات الإسلامية في الجزائر فيحاكم ويصدر في حقه حكم جديد بالإعدام، فيسافر إلى فرنسا ليستقر هناك، وخلال وجود الكاتب في معرض فرانكفورت للكتاب لتوقيع كتابه الأخير تأتي فتاة لا يتجاوز عمرها 20 عاماً، وتخبره بأنّها واحدة من ''فراشات الجنة'' اللاتي كتب عنهن، وأنّها كانت مع الإسلاميين ثمّ انتقلت إلى أوروبا لتعمل عارضة أزياء. تلقي الرواية الضوء على معاناة عارضات الأزياء التي لا يعرف عنها كثير من الجمهور، حيث يعتقد الجميع أنّ هؤلاء الفتيات يعشن في سعادة وحياة مخملية في ظل الأضواء والشهرة''، مشيراً إلى أنّه قام بالفعل بمقابلة عدد من العارضات للتعرّف إلى حياتهن الشخصية بعيداً عن الأضواء والجانب القاسي منها، الذي يدفع بطلة القصة إلى التفكير في الانتحار، وهو موضوع لم يتطرق إليه عمل روائي عربي من قبل. ورفض صاحب ''أنثى السراب'' الهجوم الذي شنته عليه بعض الأصوات الجزائرية عقب استضافته في مكتبة الإسكندرية في مصر مع بداية العام الجاري، موضّحاً أنّ الذين أساءوا للشعبين المصري والجزائري هم عيّنات صغيرة ولكنها موجودة في مراكز الإعلام، وأضاف ''لم أقبل أن يوجّهني الرأي العام، وليس لديّ حسابات سلطوية، فأنا أقول ما أفكر فيه بحرية كاملة، ولا أتلقى أوامر من أحد، وقد شعرت ان ما حدث كان ينم عن أنّ جزءاً منا كمثقفين أصبح صغيراً''. وتوقّف واسيني عند الجوائز الأدبية وما يرتبط بها في العالم العربي من إشكاليات و''حساسيات''، وأوضح أنّ الجوائز الأدبية يجب أن تعامل باعتبارها لحظة قرائية جميلة في حالة فوز الكاتب، ولكنّها ليست كارثة في حالة عدم الفوز، داعياً الكتّاب العرب للتعامل معها بعيداً عن ''الحساسيات''، وأضاف ''أتعامل مع الجوائز من مفهوم أوروبي؛ فهناك يشارك كبار الكتّاب في الجوائز المختلفة مثل ال''مان بوكر''، من خلال دور النشر التي تقوم بذلك من دون أن يعترض الكاتب أو يتأثّر، كذلك الأمر بالنسبة لي عندما لم ترشّح روايتي للقائمة القصيرة لم أتضرّر وتعاملت مع الأمر بروح رياضية، لأنّني أدرك أنّ القبول بالاشتراك في الجائزة يحمل الاحتمالين معاً الفوز أو الخسارة، ومنذ البداية عندما قرّر ناشر الرواية تقديمها للجائزة شعرت ببعض التردّد، ولكن في النهاية، وبما أنّ الرواية طبعت بالفعل، تركت له حرية التصرّف، وعلى الرغم من أنّ الرهان في الجوائز العربية أحياناً ما يكون على أسماء الكتّاب وليس النصوص، إلا أنّ لديّ قناعة أنّ لجنة تحكيم الجائزة هي سيدة القرار بصرف النظر عن جودتها، وفي النهاية هي عبارة عن خمسة أفراد فقط في مقابل آلاف القراء الذين تعود علاقتي بهم إلى زمن طويل''. ورفض صاحب ''الأمير'' المنحى الذي اتّجهت إليه لجنة تحكيم جائزة البوكر العربية هذا العام بمنح الجائزة مناصفة للكاتبة السعودية رجاء عالم والكاتب المغربي محمد الأشعري، مشيراً إلى أنّ الجائزة الأدبية تمثّل ''لحظة شخصية''، ولذا لا يجب أن تتمّ مشاركتها، ومن هذا المنطلق قد تلجأ جائزة نوبل لمنح أيّ جوائزها في الفروع المختلفة مناصفة، إلاّ جائزة نوبل للآداب.