دخل الرئيس الأمريكي باراك اوباما وتنظيم القاعدة في حرب نفسية محركها التهديد والوعيد المتبادل بجعل الطرف الآخر يدفع الثمن غاليا مباشرة بعد تمكن قوة أمريكية خاصة من قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في إحدى المدن الباكستانية. ففي نفس اليوم الذي اعترفت فيه قيادة تنظيم القاعدة بمقتل زعيمها وتوعدها بالثأر لمقتله أكد الرئيس الأمريكي باراك اوباما وهو يكرم عناصر الكوموندو الذي قتل بن لادن أن حربه على الإرهاب لن تتوقف وأنه سيخوضها دون هوادة إلى غاية دحر هذا التنظيم المتطرف. وبين منطق المجابهة بين الجانبين فإن مقتل مؤسس تنظيم القاعدة لم يكن في الواقع سوى نفس جديد لحرب لم تكشف كل خباياها، ففي وقت أبدى فيه الرئيس الأمريكي رغبة ملحة في جعل محاربة الإرهاب الدولي غطاء لتمرير استراتيجية بلاده في عالم ما بعد صراع المعسكرين فإن تنظيم القاعدة سيواصلها من جهته بنفس قناعة الجهاد ضد الصليبيين والمتعاملين معهم في كل الدول الإسلامية. ولم تنتظر العديد من الدول الغربية طويلا بعد مقتل بن لادن لتسارع إلى اتخاذ كل الإجراءات الأمنية اللازمة في كل الأماكن والمواقع التي تعتقد أنها ستكون هدفا مفضلا لتنظيم القاعدة. فمن روما إلى باريس مرورا ببرلين ولندن وبروكسل ووصولا إلى واشنطن عاد هاجس الخوف ليطغى على قاطنيها الذين وجدوا أنفسهم في مأزق الابتهاج بمقتل بن لادن وفي نفس الوقت التفكير فيما تخفيه تبعات حرب خفية عدوها مستتر وخطرها قاتل. وهو الشعور بالخوف الذي سكن نفسية المواطن الغربي وزادته حدة الدعاية الإعلامية الغربية مسببة قلقا أكبر انعكس بشكل مباشر حتى على تصرفات أبسط المواطنين فما بالك بالأجهزة الأمنية التي وضعت بن لادن كعدو أول لها وجندت له عملاءها ومخبريها من أجل القضاء عليه بأي ثمن. وحتى وإن أبدى الرئيس الأمريكي باراك اوباما إصرارا على القضاء على تنظيم القاعدة من خلال تقليده لعناصر الكومنودو الذي قتل بن لادن بأعلى وسام شرف أمريكي فإنه في قناعة نفسه لم يكن يشعر بالاطمئنان لما أسماه ب''الإنجاز التاريخي'' وأبدى بدلا عن ذلك قلقا متزايدا إلى درجة حث الأمريكيين على أن يبقوا على حذرهم وحيطتهم القصوى تحسبا لأي طارئ''. وهو إحساس بالخوف بدا واضحا على ملامح وجه أوباما وهو يتابع لحظات مقتل بن لادن رغم أنه اعتبر أمام قيادات الجيش الأمريكي أن القضاء على هذا الأخير جعل القاعدة تنظيما بدون رأس مدبر في إشارة واضحة بأنه سيفقده توازنه. وهي قناعة لم يقاسمها فيها ليون بانيتا مدير جهاز وكالة المخابرات المركزية ''سي.اي. إي'' الذي سيصبح بداية من شهر جويلية القادم وزيرا للدفاع الذي أكد أنه يتوقع الأسوأ في السنوات القادمة في إطار الحرب على الإرهاب. وهو ما يزيد من الاعتقاد أن الرئيس الأمريكي الذي أعاب على سابقه التركيز على ورقة الإرهاب لإدارة السياسة الخارجية لبلاده أنه يريد استخدامها هو كذلك للإبقاء على العدو المفترض للولايات المتحدة ولكل الغرب بما يستدعي الإبقاء على نفس استراتيجية الشحن النفسي والتخويف المتواصل لتبرير عمليات غزو واحتلال في هذه الدولة الإسلامية أو العربية أو تلك. ويكون الازدواج في خطاب اوباما هو الذي جعل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الذي اتخذ من ورقة الإرهاب أهم ورقة لصياغة الاستراتجية العسكرية الأمريكية لما بعد الحرب الباردة يرفض دعوة لحضور حفل أقامه الرئيس اوباما في منطقة ''غروند زيرو'' في قلب مركز التجارة العالمي بمدينة نيويورك الذي اتهم بن لادن بتدميره في الحادي عشر سبتمبر .2001 وقد اقتنع بوش مهندس استراتيجية خطر الإرهاب العالمي أن أوباما إنما أراد أن يستغله في حملة انتخابية مسبقة لمواجهة حزبه الجمهوري في قفزة أراد الرئيس الديمقراطي استعادة شعبية ما انفكت تنهار من يوم لآخر وجعلت مصداقيته في نظر الرأي العام الأمريكي محل شكوك متزايدة. ودفعت هذه الحقيقة بالعديد من المتتبعين للشأن الداخلي الأمريكي إلى القول أن اوباما اختار توقيت عملية آبت أباد الباكستانية لقتل بن لا دن من أجل استعادة هذه الشعبية وقد كان بإمكانه فعل ذلك قبل هذا التاريخ. وأجمعت كل التقارير أن مسكن بن لادن أصبح يثير الشبهات منذ عدة أشهر وأصبح منذ ذلك التاريخ تحت مراقبة متواصلة وأن المخابرات الأمريكية تأكدت أن من يقطنه هو المطلوب رقم واحد عالميا ولكنها لم تشأ تنفيذ عملية ''جيرونيمو'' إلا إلى غاية الأسبوع الماضي لحسابات سياسية لها علاقة بصراع الحزبين الجمهوري والديمقراطي من أجل اعتلاء كرسي البيت الأبيض.