تنامى وعيها السياسي وهي لاتزال تلميذة بالإبتدائية، عندما صادفتها الأقدار بالضباط الأحرار وعلى رأسهم الراحلان محمد نجيب وجمال عبد الناصر، ليقودها هذا الوعي إلى أن تقابل بعض رجال الثورة الجزائرية، فتلتحق مباشرة بعد الإستقلال بالجزائر وتقرر الإقامة على أرض الشهداء، وتقرر أن يكون أبناؤها جزائريين من أب أنجبته جبال جرجرة الشامخة، التقتها ''المساء'' مؤخرا لتكتشف جانبا من تاريخ مجيد سكتت عنه السيدة زينب عقودا طويلة. - لنبدأ من طفولتك، كيف كانت معالمها ؟ * أنا ابنة مصطفى عبد الرحمن، وجدّي كان قاضي قضاة مصر، وكأية عائلة عربية في ذلك الوقت، فإن الحسّ الوطني فيها كان عاليا وكانت تربي أبناءها، حتى الصغار منهم، على حب الوطن والفداء، لذلك كنا نتابع باهتمام ما يجري من أحداث في مصر وفي وطننا العربي. من حسن حظي أنني تربيت في عائلة تقدّر النضال والثورة، لذلك كنت سعيدة باليوم الذي صافحني فيه الزعيمان محمد نجيب وعبد الناصر، كنت حينها ذات11 سنة، أدرس بمدرسة »حسن المسرات« بحي الحلمية الذي قطعه موكب الزعيمين في اتجاه منطقة عابدين بالقاهرة، فرحت يومها وازداد تعلّقي بثورة 23 يوليو، بعدها و بسنوات قليلة، التحقت بالنشاط السياسي والنضالي. - ماذا عن مسيرتك الدراسية ؟ * كانت موفّقة إلى غاية حصولي على البكالوريا ثم التحاقي بالمعهد العالي للمعلمات، حيث درست في الفيوم ثم بني سويف رغم أني من القاهرة. في المعهد، اكتشف الأساتذة مواهبي في الصحافة المدرسية، العزف الموسيقي (الأكورديون خاصة)، الخطاب ووسائل الإيضاح، الخدمات الإجتماعية، الرياضة، الشرطة المدرسية والتربية العسكرية، وحزت على درجة جيد جدا، كما حزت على جائزة في الرماية. وهكذا تم تعييني بمجرد تخرجي وسلمت إليّ مهمة رائدة منفذة للأنشطة، وكانت التقارير الرسمية تمنحني مراتب جيد جدا، إلى غاية سنة 1962 أين كرمت بأحسن جائزة خاصة بالتفوق في العمل الإجتماعي، وأحن اليوم لهذا التكوين وإلى هذا القدر من التحصيل والتنويع في البرامج التعليمية، الذي يكاد يكون غائبا في مدارسنا العربية. - كيف كانت بدايتك مع النشاط السياسي، وماذا كانت علاقته بالجزائر؟ * تفوّقي في الدراسة ثم التدريس أهّلني لأن أكون رئيسة اتحاد الطالبات المصريات، في نهاية الخمسينيات، وكنت حينها أصغر ناشطة سياسية على المستوى العربي، علما أن اتحاد الطلبة المصريين كان حينها تابعا لاتحاد الطلبة العرب، الذي كان يترأسه حينها الراحل محمد الصديق بن يحيى، الذي كان يقدرنا ويوجهنا، ولمرات عديدة، كان يلتقينا فيها الراحل جمال عبد الناصر. للإشارة فإن من بين مهام الإتحاد مساندة الحركات التحريرية خاصة الثورة الجزائرية، وبالتالي كان لزاما على اتحاد الطلبة والطالبات في مصر تنظيم المظاهرات واختيار شعاراتها، للدعوة إلى تحرير الجزائر وكذا ارسال برقيات له إلى المنظمات الدولية، وأذكر هنا المراسلات التي بعثناها إبّان سجن المجاهدة جميلة بوحيرد، وكنا نراسل أيضا إذا ما صدرت قرارات إعدام مناضلي الجبهة وهكذا. إضافة إلى هذه الأنشطة، كنت أشارك في تقديم مسرحيات كان يشرف عليها عبد الفتاح السباعي (شقيق الراحل يوسف السباعي)، إلى جانب تنظيم أمسيات شعرية وندوات ومقالات في الصحافة للتحريض على الاستمرار في الثورة حتى النصر. على العمو م، المجتمع العربي (والمصري ) كان مجندا للقضية الجزائرية حتى في أناشيد الثورة الجزائرية التي كانت تلقّن في المدارس وفي المظاهرات، خاصة عند قدوم أحد قادة الثورة إلى القاهرة وعلى رأسهم بن بلة الذي أهديناه كتابا بعنوان »ابن شمال إفريقيا«، واستغلاله للتعريف بالجزائر من خلال عدة لقاءات، علما أن الثورة كانت تدرس في البرامج التعليمية حينها. إضافة إلى النشاط الطلابي، فقد تجند عدة فنانين من خلال »صوت العرب« لدعم القضية الجزائرية، كالفنانة فايدة كامل ومحمد قنديل وعبد الوهاب ومحمد فوزي وغيرهم. - كيف جاءت زيارتك للجزائر؟ * الزيارة الأولى كانت سنة 1962 للإحتفال بالإستقلال، وكان الوفد المصري يرأسه الزعيم عبد الناصر، ثم عدت إلى مصر إلى أن جاءت سنة ,1964 حيث قدمت في إطار بعثة تعليمية مصرية، استقبلنا المجاهد الكبير بوعلام باقي الذي كان حينها مفتشا بأكاديمية وهران التعليمية، في تلك الأثناء لم نكن نسأل عن أجورنا، بل كان همنا الوحيد أن نرى الجزائر، التي كانت حينها أرض المعجزات، إلى درجة أنها أصبحت أسطورة يتداولها الناس في أحاديثهم .في ال4 سنوات الأولى من إقامتي، كان راتبي يأتي من مصر كدعم للنهوض بالتعليم بالجزائر، وقد كانت لدينا ميزانية خاصة من وزارة التعليم العالي كذلك كان الحال بالنسبة للبعثة الأزهرية. بعد هزيمة 67 ، توقفت رواتبنا وأصبحت الدولة الجزائرية تتكفل بدفعها لنا. لقد أعدْت إليّ ذكرياتي الجميلة في أكاديمية وهران للغة العربية وبمدرسة العربي بن مهيدي بسيدي الهواري. أتذكر أيضا ذلك الحفل المدرسي الذي أقمته نهاية سنة 1968 بمسرح وهران وغطته الصحافة، وكان كله عن الثورة التحريرية. عملت بعدها في معهد المعلمات بسطيف (خراطة)، إذ كنت من أساتذته الأوائل (68-69) وإلى غاية ,1972 ثم توجهت إلى ولاية برج بوعريريج حيث درست في متوسطة بلغربي بعبوج، إلى أن استقرت بالعاصمة ودرست في العديد من مدارسها ومعاهدها، كمدرسة أحمد شايب 4 وتقنية الجزائري شمال (الزغاره) ثم ''الغرناطي'' بعين البنيان و''حمزة ابن عبد المطلب'' بميرامار إلى أن وصلت إلى التقاعد. عملت أيضا في النشاط الثقافي والفني واستهدفت الأطفال الذين اجتهدت في تعليمهم بطرق راقية وجميلة، وقد شاركت مرات عديدة في برنامج ''حديقتي الساحرة''، وتعاونت مع ماما نجوى وأهديتها باقة من الأناشيد العربية، منها نشيد عن الجزائر'' أكتب يا تاريخ'' (أوبرات) و''هل تعلمون تحيتي'' وغيرها من الأناشيد التي يفوق عمرها ال 60 عاما، كما ربطتني علاقات مع بعض الإعلاميات الجزائريات. - حدّثينا عن زوجك وعن ذكرياتك معه * ''زوجي هو الصح''، أتألم لفراقه فقد توفي رحمه الله منذ سنة وتركني بعد طول عشرة طيبة، كان فيها نعم الزوج. اسم زوجي هو أبو يحيى مزيان أحمد، وهو خريج جامعة القاهرة (قسم تجارة وإدارة أعمال) تخرج بمرتبة ''جيد''. ترعرع زوجي بلبنان إلى أن حصل على شهادة البكالوريا. كان سياسيا محنكا خدم الثورة الجزائرية، وكان موضع ثقة قادتها وثقة جمال عبد الناصر كما كان كتوما لايبوح بعلاقاته مع هذه الشخصيات ولا يفشي سرا حتى مع أسرته. تعرفت عليه في القاهرة، كان وسيما وخلوقا له شهامة »القبائل« فأصوله من بني دوالة بتيزي وزو. ساهم الراحل في بناء الجزائر بعد الإستقلال خاصة في قطاع التربية والتعليم وفي التعريب، يتذكره دوما آهل »باينام« ويترحمون عليه ويشهدون له بالأخلاق الكريمة. للراحل مؤلف مهم عن »القبائل المهاجرين إلى أرض الشام« ويستحق القراءة. - هل لك ذكريات مع بعض الشخصيات التاريخية الجزائرية ؟ * طبعا هي ذكريات كثيرة وجميلة، فلقد تعرّفت على الكثير من المجاهدين والمناضلين ولا زلت أحس بغصّة، لأني لم أتمكن من التقاء جميلة بوحيرد حتى اليوم. أتذكر الكثير كالزعيم بن بلة والصديق بن يحيى، وأتذكر الراحل بومدين والسيد عبد العزيز بوتفليقة، أعجبت كثيرا ببومدين ورأيته يكرمني مع النساء في عيد المرأة بقاعة الموقار، ونظمت له حينها قصيدة عصماء، لكني خجلت من قراءتها أمامه ولامتني الحاضرات بعد خروج الرئيس الراحل الذي كان ذا سمعة طيبة. قابلت أيضا الرئيس بوتفليقة عندما كان وزيرا للخارجية، في بداية السبعينيات، كان عهدا ذهبيا في تاريخ الجزائر التي عم فيها الأمن والاستقرار، وشهدت نهضة لامثيل لها، قابلتُ بوتفليقة في حي المرادية، يتجول على رجليه مبتسما، وكنت آنذاك معجبة بمقولته »إن ثورة الجزائر فجرت المواهب«، وعندما علم أني مصرية وتعاملت مع مناضلين جزائريين قال لي بفخر مشيرا إلى فضاء الجزائر الصافي: اختاري ما أردت وستعطيك الجزائر، »حينها خجلت وقلت« :أنا أحب الجزائر كثيرا، أتمنى أن يطيل الله في عمره وعمر كل المجاهدين. - أيّ نشاط تمارسين الآن بعد تقاعدك من التعليم ؟ * أعمل عند ابني ياسر ب»دار الفكر العربي«، وطبعت عدة كتب كلها عن أدباء الجزائر، نشرت منها ستة كتب و بقيت 4 تحت الطبع، وهي تجربة أعتز بها. - ما هي أجمل أمنية تتمنينها؟ * أتمنى أن يعود الكتاب والقراءة إلى مدارسنا، كما كان الحال في أيام جيلي، فالكتاب أهم عامل قادر على صقل الأجيال بالمعارف والثقافة والقيم، ومن الضروري إدراجه في المنهج التربوي كمادة أساسية. أمنيتي أن تتوحد الشعوب العربية وتكون على قلب رجل واحد لاتفرقها النزاعات التافهة، كما أتمنى أن أزور بيت الله الحرام، إن شاء خالقي، وأشكر ''المساء'' ذات المصداقية والرزانة الإعلامية على منحي هذه الفرصة التي استحضرت فيها جانبا من ذكرياتي.