اعتبر أساتذة وباحثون جامعيون، استقبلتهم هيئة المشاورات حول الإصلاحات السياسية، أمس، أن المشكل الذي تعانيه القوانين الجزائرية لا يكمن في مضمونها وإنما في عدم تطبيقها، داعين إلى ضرورة السهر على تطبيق هذه القوانين، والعمل من خلال الإصلاحات المقررة على دعم اللامركزية في تسيير شؤون البلاد وإعطاء مكانة لائقة للعلم في صناعة القرار، كما أشادوا بتوسيع المشاورات الوطنية إلى كل الفئات الاجتماعية مشددين في المقابل على ضرورة السهر على تطبيق التقرير الذي ستنتهي إليه هذه المشاورات. وخلال التصريح الصحفي الذي أعقب الجلسة التي خصتها لهم هيئة المشاورات برئاسة السيد عبد القادر بن صالح، أوضح الخبير الاقتصادي محمد بهلول أنه أبلغ الهيئة بأن فضاء الحوار الذي فتحته أمام كل الفعاليات الوطنية لا يكفي وحده لإنجاح الإصلاحات التي تقبل عليها البلاد، داعيا إلى فتح نقاش وطني تشارك فيه كل القوى السياسية في البلاد دون أي إقصاء، وذلك من خلال تنظيم ''مؤتمر وطني حول الدولة الوطنية'' يعاد من خلاله -حسب المتحدث- ''رسم معالم الدولة الوطنية، على أساس أن فرض واجب احترام السلطة يستدعي منح حق اختيار هذه السلطة''. وأشار إلى أن هذا المؤتمر ينبغي أن يتطرق إلى جملة من المحاور الأساسية تشمل تحديد طبيعة العقد الاجتماعي وفلسفة مؤسسات الدولة، علاوة على وضع لجنة خبراء تتولى مهمة إعداد الدستور وإنشاء مجلس تأسيسي ووضع ميكانيزمات للتحول السياسي. من جهته لاحظ الأستاذ عبد الرزاق درواري مدير مركز البحث في تمازيغت أن ''المنهج المتبع من قبل الهيئة الوطنية للمشاورات، بطيء جدا مقارنة بالحاجة الملحة إلى الرد على خطورة الوضع في البلاد والذي يهدد بانفجار المؤسسات''، معربا في الوقت نفسه عن تخوفه من أن يلقى مصير التقرير الذي ستعده لجنة المشاورت، نفس مصير التقارير السابقة، مشيرا في هذا الصدد إلى تطبيق التقارير التي أعدتها اللجان المنصبة منذ سنة 2000 حول إصلاح العدالة وحول أحداث منطقة القبائل وحول إصلاح الدولة وإصلاح المنظومة التربوية. واعتبر المتحدث أن المشكل في الجزائر لا يكمن في الدستور بقدر ما هو في عدم التقيد به، مشددا في هذا السياق على ضرورة الوصول إلى اتفاق شامل بين كل الفعاليات السياسية للخروج بدستور يكرس الفصل بين السلطات والحريات، ''مع ضرورة إنشاء لجنة لمراقبة تطبيق هذا الدستور''. بدوره اعتبر البروفيسور عبد الحميد أبركان وزير الصحة الأسبق أن المشكل في الجزائر لا يكمن في النصوص القانونية بقدر ما يكمن في عدم تطبيق هذه النصوص، مشيرا إلى أن المرحلة الجديدة التي تعرفها الجزائر تتطلب عودة الثقة للمواطن بخصوص القرارات التي تتخذها السلطة، ''مع ضرورة تكريس التداول الحقيقي على السلطة، اللامركزية الحقيقية في تسيير شؤون البلاد، ولا سيما بإعطاء الفرصة للكفاءات الشابة لتولي مناصب المسؤولية على المستويين المحلي والجهوي''. في حين شدد الأستاذ الخير قشي عميد كلية الحقوق بسطيف على ضرورة أن تعمل التعديلات القانونية المقررة في إطار الإصلاحات على تثمين السلم المحقق في السنوات الأخيرة بالبلاد وضمان استدامته من خلال إرساء دولة الحق والقانون. واعتبر المتحدث أن الجزائر بحاجة إلى ''رشادة دستورية'' التي تتطلب حسبه توفر عدة شروط، من أبرزها اعتماد مبدأ الديمقراطية التشاركية وتدعيم اللامركزية في التسيير وتدعيم دور البرلمان، وتكريس حرية القضاء وحياده وحرية الإعلام واستقلاليته. كما تشمل هذه الرشادة الدستورية أيضا -حسب السيد قشي- تحديد دور الأحزاب في الدستور، من خلال إبراز دورها الإيجابي في التوعية والتربية السياسية، ولا سيما من خلال تكريسها للممارسة الديمقراطية داخليا، وكذا إبراز دور المرأة في إنشاء الإنسان الصالح مع التشديد على كون هذا الدور ''مكملا وليس تنافسيا''. من جانبها ركزت الأستاذة نورية بن غبريط معون مديرة مركز البحث في الانثربولوجيا الاجتماعية والثقافية، على ضرورة خلق حركية محلية، ودعت إلى دعم التسيير المحلي بإشراك الجمعيات المحلية والمجتمع المدني وتسخير كل الوسائل لمجابهة التهميش الذي تعاني منه شرائح عديدة في المجتمع، وكذا العمل على إعطاء الشباب والنساء المكانة التي يستحقونها في المؤسسات المستقبلية، فيما قدم الأستاذ عز الدين بوردونة الباحث الفيزيائي بجامعة باريس، دعوته كباحث جزائري مقيم بالخارج إلى مشاورات هامة يتحدد من خلالها مصير البلاد، مؤكدا من جهته على ضرورة مراعاة الجانب العلمي في القرار السياسي. أما الأستاذ علي بن عبيد من المدرسة المتعددة التقنيات للهندسة المعمارية والعمران، فقد دعا إلى إعداد ثلاثة دساتير ممكنة وعرضها لاستفتاء شعبي وترك الحرية للشعب لاختيار ما يريده وما يراه الأنسب والأصلح، كما طالب بترسيم اللغة الأمازيغية، وتخصيص بعض مناطق البلاد كالجنوب ومنطقة القبائل ببرامج تنموية خاصة لتخليصها من التأخر الذي تعانيه في مجال التنمية، علاوة على الإسراع في تجسيد برنامج الحكومة الإلكترونية. وتجدر الإشارة إلى أن الفوج الأول للجامعيين الذين استقبلتهم الهيئة الوطنية للمشاورات، صبيحة أمس، ضم أيضا البروفيسور بيار شولي، مستشار الصحة العمومية بالمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي.