وصمه البعض بالزندقة، بل إنهم كفروه، وأمعنوا في تكفيره، بينما جعل منه البعض الآخر قديسا، ووليا من أولياء اللّه الصالحين، ومنهم الأمير عبد القادر الجزائري الذي أوصى بأن يدفن إلى جنبه في جبل قاسيون بدمشق. وأعني به محي الدين ابن عربي، المتصوف الكبير، ومؤلف ''الفتوحات المكية'' و''ترجمان الأشواق'' وغيرهما من الكتب التي ما زالت تجد رواجا بين القراء في اللغة العربية وفي اللغات التي نقلت إليها. قارئ ابن عربي في حاجة إلى مفاتيح لفهم ما جاء في كتبه، ولا أزعم أنني أمتلك مثل هذه المفاتيح، غير أنني أكتفي بجانب واحد منه، وأعني به اللغة، أو الأسلوب الذي صب فيه كتاباته النثرية والشعرية. وأنا، في هذا الصدد، آخذ بقولة شعرية وردت في تمثيلية ''بلال ابن رباح'' للشاعر محمد العيد آل خليفة، وهي: ''استكف منه بظاهره''!، عندما يصب أمية بن خلف الويلات على بلال بن رباح في قلب الصحراء المحرقة، يجيء مبعوث من سيدنا أبي بكر الصديق ''ض'' ليفتديه مقابل مبلغ من المال، فنرى الكافر المتصلب يرفض في بداية الأمر، غير أن المبعوث اللبق يقنعه بالاكتفاء من العبد المضطهد بظاهره، أي بالخدمات التي يقدمها له دون الاهتمام بما تصطخب به أعماقه من إيمان جياش، وينتهي الأمر بأن يرضخ أمية بن خلف طمعا في مبلغ المال الذي اقترحه عليه المبعوث. أنا إلى حد الساعة أكتفي من ابن عربي ومن غيره من أهل التصوف بظاهر ما أقرأه من كتاباتهم وعن حياة كل واحد منهم، لا أحب أن أقف إلى جانب الذين يكفرونه، ولا إلى جانب أولئك الذين يقدسونه. لكل قارئ حرية التحرك في آفاق الكتب التي يطالعها، وأحسب أن لي مطلق الحرية في التعامل مع محي الدين بن عربي حتى وإن أنا لم أتمكن إلى حد الآن من فك مستغلقات كتاباته، اللهم إلا في جانب قليل منها. ولذلك، فأنا أحمد اللّه على هذه الحرية التي أتمتع بها كلما واجهت نصا من نصوص كبار المتصوفة، بدءا من الحلاج والنفري وابن سبعين وعمر بن الفارض وغيرهم من أفذاذ الكتابة الأدبية، فالذي يعنيني من أمرهم جميعا إنما هو اللغة في المقام الأول، أو ''متصرفات الكلام'' على حد تعبير أحد أئمة اللغة العربية في الأزمنة الخوالي.