اعتدنا على سماع حكايات وحكايات عن ''الحماة'' -أم الزوج أو أم الزوجة- لدرجة أصبحت فيها هذه الأخيرة تشبه ''البعبع'' الذي يحمل كل مظاهر الشر والمكيدة، لاسيما بالنسبة لزوجة الابن. ولن نأتي بجديد إذا قلنا ان اشتراط بيت زوجي منفرد على الرجل يعود أساسا الى رغبة الزوجة في اتقاء ''شر حماتها''. لكن الغريب أن تكون الظاهرة منتشرة حتى في الدول الغربية، حيث تختلف العادات والنظرة الى الزواج بحد ذاته...وهي الظاهرة التي لفتت انتباه طبيب الأطفال الفرنسي ''ألدو ناوري'' الذي نشر له مؤخرا كتاب تحت عنوان ''الحموات''، أثار اهتمام الصحافة الفرنسية. الطبيب الكاتب ينتقد في إصداره هذا مايسميه ''اختفاء الحماة وبالتالي تكون مجتمع بدون حدود''. وينتقل عبر صفحات الكتاب في الزمان والمكان ليسرد مواقف مختلفة تبين أسباب ''السمعة السيئة'' الحموات في كل الثقافات والحضارات، إضافة الى تحليله لخبرته والقصص التي عايشها في عيادته. ويطرح سؤالين مهمين في السياق؛ الأول هو ''لماذا لاتحتمل المرأة أم زوجها بالرغم من أن الرجل الذي تحبه تربى وكون نظرته للحب والزواج في كنف هذه الأم؟''، والثاني ''لماذا لاتحتمل الأم التي ربت هذا الرجل وأعطته الحب والحنان طيلة سنوات، المرأة التي تحب ابنها والتي اختارها هذا الأخير؟''. كما يورد في الكتاب مجموعة من القصص الواقعية حول الحماة وكذا بعض النكت التي ترسخ الفكرة السائدة عنها. ويشير هنا على سبيل المثال إلى أن اسم الحماة بالانجليزية يعني ''أم بالقانون'' وهو مايحيل الى القول بأن ''الحماة'' أم مفروضة قانونا بمقتضى رابطة الزواج، وأنه لو كان للفرد اختيار لاستغنى عنها! ويشرح الكاتب في حوار لمجلة ''آل'' الفرنسية أنه يركز في عمله على أم الزوج بالدرجة الأولى التي يعتبر أنها في طريق الانقراض وأنها بالتالي ستترك المجال واسعا أمام أم الزوجة كحماة وكجدة. ويقول إن سبب تطرقه لهذا الموضوع هو السؤال الذي حيره طيلة أربعين سنة وهو ''لماذا تعمد الأم التي كانت هي بدورها ضحية لمشاكل مع حماتها الى تكرار نفس السيناريو مع زوجة ابنها؟ ولماذا تكون علاقة الزوجة أفضل مع أب الزوج؟'' ويقول انه عندما نظر إلى المسألة من الناحية العلمية، وصل الى نتيجة مفادها أن الأمر يتعلق بالاختلاف في الجنس. وفي تحليله لأسباب ''اختفاء'' الحماة ''أم الزوج''- بالنظر الى الواقع الأوروبي بالطبع- يعود الى السبعينيات من القرن الماضي. ففي تلك الفترة كما يشير تم تشجيع دور المرأة من خلال التأكيد على قدرتها للاكتفاء الذاتي، وهو ما أدى الى تراجع دور الأب. ومع اختفاء مايصفه ب''المجتمع الأبوي'' أصبح الاختلاف في الجنس مجرد ''تفاهة'' مدعوة الى الاختفاء، وهو ما يقود-كما يضيف- الى قيام مجتمع ''بدون أب'' وبالتالي اختفاء أمه أي ''الحماة'' و''الجدة أم الأب''. وفي السياق يلفت الانتباه الى ان الزوجة بمجرد أن تلد فإنها تلجأ الى أمها للمساعدة، وهكذا تصبح الأخيرة أما لها ولابنها، وكأنها بهذا تحتكر العائلة على حساب أم الزوج. ويحذر طبيب الأطفال من مخاطر غياب دور الأب، معتبرا أن ذلك يعني تكون مجتمع ''بدون حدود'' وهو ما وصفعه ب''الأمر المقلق''. ولايتردد في القول بأن هذا يستجيب لبعض الخطابات ''التهديمية'' النابعة من اليسار أو اليمين المتطرف في أوروبا، ويشير الى ان هذين القطبين المتناقضين يلتقيان في مصلحة واحدة هي ''إزالة كل الحدود''. بل انه يذهب بعيدا في القول بأن اليوم من يتحدث عن الأخلاق والنظام يوصف ب''الشمولية''. ولذا يتوقع وقوع ''كارثة'' إذا تم تغييب دور الأب في الأسرة، لأن ذلك سيؤدي -حسبه- الى نشوء أطفال ''بدون احتياجات أي لديهم كل شيء ومدللين لأقصى درجة، وهو مايعيقهم على التطور''. وإذ يعبر عن ابتهاجه بكل ماحققته المرأة من تطور، مؤكدا أن من فشل في حقيقة الأمر هو الرجل وليس المرأة، فإنه يفسر ما يحدث بتطور ''غير واع'' في المجتمع الذي يعيش على وقع ''أحادية'' أو ''نمطية'' في التفكير تجعل من الاختلاف في الرأي مرفوضا. وفي الأخير يدعو ''ألدو ناوري'' الى إعادة الاعتبار لدور أم الزوج ويقول ''إنه لمن الجيد بالنسبة للزوجة أن تتذكر الاحترام الذي ينبغي ان تتعامل به مع كبار السن، وهو الاحترام الذي ستبادلها إياه الحماة...هذه الأخيرة -لايجب ان ننسى- أنها أنتجت الرجل الذي أحبته هذه المرأة...وبالتالي أكيد ان لديها بعض الميزات''.