لم تستفق الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية من وقع الصدمة الذي خلفها قبول انضمام فلسطين كعضو كامل الحقوق في منظمة التربية والعلوم والثقافة الأممية ''اليونيسكو''. وكانت قوة الهزة كبيرة على حكومة الاحتلال التي لم تكن تتوقع أن تصوت غالبية الدول الأعضاء على طلب الانضمام الفلسطيني رغم الضغوط والتهديدات الأمريكية بقطع المشاركة في الميزانية العامة للمنظمة عقابا لها على موقف أعضائها. وأخلطت نتيجة عملية التصويت وقبول 107 دولة أعضاء انضمام فلسطين كل الحسابات الإسرائيلية التي ربطت ذلك مباشرة بالطلب الرسمي الذي تقدمت به السلطة الفلسطينية من اجل الانضمام إلى الأممالمتحدة ووضع حد لهيمنة أمريكية مطلقة على ملف المفاوضات ورفضها فسح المجال لقوى دولية أخرى من اجل المساهمة في تذليل العقبات التي حالت إلى حد الآن دون التوصل إلى تسوية نهائية لهذا النزاع بناء على لوائح أممية واتفاقات دولية وقعها الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي. واضطر أعضاء الحكومة الإسرائيلية المصغرة إلى عقد اجتماع طارئ أمس من اجل معالجة الوضع ومناقشة الرد الذي يتعين اتخاذه بعد قبول انضمام الفلسطينيين إلى هيئة أممية بحجم اليونيسكو. ورغم أن قبول العضوية الفلسطينية في هذه المنظمة لا يغير شيئا في واقع الحال الفلسطيني على الأقل من جانبه السياسي إلا أن الصدمة كانت كبيرة في إسرائيل التي لم تكن تتوقع مفاجأة بهذا الحجم معتقدة أن الضغوط الأمريكية بقطع المساهمة في ميزانية المنظمة سيحول دون قبول الفلسطينيين في عضويتها. وقال داني يعلون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي أن حكومة الاحتلال تريد أن تتخذ إجراءات سياسية ودبلوماسية للرد على هذا التصويت وبما يخدم مصالحها، متهما اليونيسكو بالتحول إلى ''منظمة سياسية بقبولها عضوية دولة لا وجود لها والفلسطينيين بعدم الرغبة في تحقيق السلام ولا مواصلة المفاوضات ولكن تمديد الصراع''. وإذا سلمنا أن إسرائيل لا يمكنها اتخاذ أية إجراءات ردعية ضد الدول التي صوتت لصالح الانضمام فإن آخر ورقة بقيت بين يديها لن تخرج عن إطار فرض عقوبات إضافية على السلطة الفلسطينية تماما كما فعلت عندما حرمتها من عائداتها الجبائية عقابا لها على التوجه إلى الأممالمتحدة في محاولة لخنقها ماليا والدفع إلى ثورة موظفي الإدارة وعناصر أجهزة الأمن ضدها. ولم تخف مصادر إسرائيلية لجوء حكومة بنيامين نتانياهو إلى تسريع المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس الشريف انتقاما للتحرك الفلسطيني وهو ما فعلته يوما بعد تسليم الرئيس الفلسطيني محمود عباس لطلب الانضمام إلى الأمين العام الاممي بان كي مون يوم 23 سبتمبر الماضي. ولم يكن من الممكن أن يمر هذا الحدث دون أن يثير زوبعة إعلامية في إسرائيل إذ لم تخلو صحيفة واحدة من تعاليق أكدت على انتكاسة الدبلوماسية الإسرائيلية أمام الخطوة الفلسطينية للمرة الثانية على التوالي منذ خطوة الانضمام إلى الأممالمتحدة. وكتبت صحيفة ''ايهديوت احارنوت'' اكبر الصحف الإسرائيلية أمس في افتتاحيتها أن ''الدولة الفلسطينية رأت النور في منظمة اليونيسكو'' وأضافت أن الفلسطينيين حققوا نجاحا كبيرا يعد سابقة قبل التصويت داخل الجمعية العامة ومجلس الأمن على طلب انضمام فلسطين كدولة كاملة العضوية في الهيئة الأممية''. وهي النتيجة التي انتهت إليها منافستها صحيفة ''معاريف'' التي أكدت أن الإسرائيليين الذين حضروا جلسة التصويت في اليونيسكو شعروا بهزيمة دبلوماسية ستمهد لهزيمة أخرى لاحقة في اشارة إلى طلب العضوية الفلسطيني في الأممالمتحدة. وهو ما يفسر التخوف الإسرائيلي من المسعى الفلسطيني على مستوى الأممالمتحدة مما سيجعل نتيجة تصويت اليونيسكو بمثابة ''بارومتر'' جاء في وقته للحكم على نتيجة التصويت في الأممالمتحدة بمجرد طرح ملف العضوية الفلسطيني على الجمعية العامة الأممية. ورغم أن الكل يتوقع أن تلجأ الإدارة الأمريكية إلى رفع ورقة النقض في وجه التحرك الفلسطيني للحيلولة دون تحقق حلم ملايين الفلسطينيين فإن ذلك سيكون انتصارا معنويا آخر للقضية الفلسطينية وانتكاسة للولايات المتحدة وفضحا لزعمها في كل مرة أنها تعمل على المساعدة من اجل تقريب وجهات النظر الفلسطينية والإسرائيلية ولكنه زعم ما لبث أن انهار ولن يكون هناك من يصدقه.