إلى أين تسير الأوضاع في سوريا بعد قرار تجميد عضويتها في الجامعة العربية؟ سؤال يحمل الكثير من الدلالات على اعتبار أنه قرار لم يكن منتظرا وخالف كل أساليب التعامل العربي في قضايا وأوضاع مشابهة في بلدان عربية أخرى باستثناء الوضع في ليبيا. وإذا كان نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية أكد ساعات بعد تبني هذا ''القرار الجريء'' بأن البلدان الأعضاء بصدد بحث آليات عملية من اجل حماية المدنيين في سوريا فإنه أعادنا بصورة تلقائية إلى نفس الذريعة التي رفعها مجلس الأمن الدولي من أجل فرض منطقة حظر جوي على ليبيا وانتهت إلى دك كل البنى التحتية في هذا البلد وإسقاط نظامه بعد ثمانية أشهر من حرب أهلية مدمرة. ولكن هل للجامعة العربية القدرة على توفير هذه الآليات؟ وما هي ماهيتها؟ من اجل حماية المواطنين السوريين من تجاوزات قوات الجيش والشرطة واستعمالها للقوة المفرطة ضد متظاهرين مسالمين ذنبهم الوحيد أنهم جاهروا برفضهم لنظام البعث الحاكم وأصروا على رحيل الرئيس بشار الأسد. وهو تساؤل يفرض نفسه على اعتبار أن جامعة الدول العربية بقيت في موقع المتفرج على أحداث دامية ليس في سوريا فقط ولكن في أحداث مماثلة في تونس ومصر وليبيا مرورا بمملكة البحرين ووصولا إلى ما يشهده اليمن من مواجهات دامية. وإذا استثنينا الدور الذي لعبته الجامعة العربية في ليبيا فإنه يتعين التأكيد في هذه الحالة على أن ما قامت به لم يتعد إطار منح تزكية عملية لمجلس الأمن من اجل استصدار لائحة أعطت الضوء الأخضر لحلف الناتو للقيام بأول عمل عسكري ضد دولة عربية والإطاحة بنظامها. والعودة هنا إلى ما جرى في ليبيا يعني أن إمكانية تكرار سيناريو التجربة الليبية في سوريا يبقى قائما جدا ولا يستبعد أن نشاهد قوات دولية أو فرض حصار اقتصادي مشدد على نظام الرئيس بشار الأسد لإضعافه اقتصاديا والدفع به دفعا إلى مغادرة السلطة ولما لا إعادة مشهد إلقاء القبض على العقيد الليبي معمر القذافي وتصفيته بتلك الطريقة البشعة. وإذا سلمنا بالاحتمالات المتزايدة لمثل هذا الخيار الأكثر تشاؤما في التعاطي مع ملف الوضع في سوريا فإنه يتعين التأكيد من زاوية معالجة أخرى على أن الوضع في هذا البلد له خصوصية واختلاف كبير عما شهدته ليبيا بالنظر إلى الموقع الهام لسوريا وحسابات القوى الجهوية والإقليمية والدولية في بلد بقي إلى حد الآن حجر الزاوية في كل الترتيبات الجيو-سياسية التي عرفتها المنطقة العربية منذ عقود. وهي المعادلة التي تكون السلطات السورية قد بنت عليها موقفها الرافض لكل تنازل لصالح مئات آلاف السوريين الذين خرجوا في مسيرات شعبية ضخمة للمطالبة في بداية الأمر بتحسين أوضاعهم المعيشية ولكنها ما لبثت أن تحولت إلى مظاهرات بأبعاد وخلفيات سياسية رفع أصحابها مطالبهم تباعا بالحرية والديمقراطية ووصلوا في آخر المطاف إلى المطالبة برحيل الرئيس الأسد وبحماية دولية لهم. ولكن هذه المعادلة تبقى بمجاهيل متعددة وغير مضمونة النتائج أولها أن النظام السوري غير متأكد من درجة بقاء المقاومة اللبنانية ممثلة في حزب الله إلى جانبه وبصورة تلقائية مدى صمود محور دمشق-طهران أمام الهزات العنيفة التي يتوقع أن يتعرض لها في سياق الزوبعة القادمة على كل المنطقة. وهي نفس القراءة التي يمكن الانتهاء إليها بخصوص الموقفين الروسي والصيني اللذان راهنت عليهما دمشق إلى حد الآن لمنع تبني الدول الغربية لأي قرار يدينها في مجلس الأمن الدولي ولكنها غير واثقة من ثبات موسكو وبكين على موقفيهما إلى ما لانهاية في وضع يستدعي التكيف البراغماتي مع صيرورة الأحداث. وهو ما شاهدناه في ليبيا عندما بقيت روسيا والصين على موقفيهما إلى غاية أن تأكدتا أن نظام العقيد الليبي معمر القذافي آيل إلى السقوط المحتوم ولم يجدا بديلا عن ذلك سوى الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي مكرهتين رغم تبعات ذلك على مصالحهما الضخمة في ليبيا. وحتى الموقف الأمريكي في هذه الوضعية يبقى مبهما حيث تجهل طبيعة الموقف الذي ينتظر أن تتخذه إدارة الرئيس باراك اوباما للتعامل مع تداعيات الموقف في سوريا وخاصة الكيفية التي تمكن المجموعة الدولية من إرغام سلطات دمشق على وقف حمام الدم بمختلف مدن هذا البلد بسبب تداعيات أي انزلاق عسكري في سوريا قد يمتد لهيبه إلى دول الجوار الأخرى وحينها سيكون التحكم في مجرياته أمرا مستحيلا.