دخلت مصر مرحلة الشك حول الكثير من قضايا الجدل الدائر هناك وخاصة مدى احترام موعد تنظيم الانتخابات النيابية التي تنطلق أولى مراحلها اليوم ومستقبل المجلس العسكري وحظوظ حكومة كمال الجنزوري في مواصلة مهمتها وكذا إمكانية تشكيل حكومة إنقاذ وطني التي طالب بها المتظاهرون. وهي إشكاليات جوهرية في ''وضع الأزمة'' الذي تمر به مصر منذ الإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك ولم تجد لها إجابات شافية، مما أبقى مستقبل البلد أمام علامات استفهام حقيقية وما يخفيه الغد في هذا البلد. ورغم الهدوء الذي طبع الموقف خلال اليومين الأخيرين إلا أنه كان أشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفة بعد أن خيم الشك حول إمكانية إتمام المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية ووضعها على كف عفريت إلى درجة جعلت المجلس العسكري يخرج عن هدوئه ويحذر كل من يسعى إلى الضغط عليه من أجل عدم إتمام هذه الانتخابات. وخرج المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن صمته ليؤكد أن الانتخابات ستتم في موعدها وأن تعزيزات أمنية تم تخصيصها لضمان إنجاح رهان هذه الانتخابات وعدم التشويش على ظروف إجرائها وقال بلغة فيها الكثير من الوعيد أننا ''لن نسمح للعابثين بأن يتدخلوا في الانتخابات''. ورغم أنه طمأن بتوفير الظروف الأمنية لإتمامها إلا أنه لم يخف بطريقة ضمنية مخاوفه من وقوع انزلاقات يوم الاقتراع قد يؤدي إلى إعادة النظر في كل العملية ومصداقيتها لتوضع البلاد ''في مفترق الطرق.. فإما أن تنجح وتسلم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا أو أن تكون العواقب في منتهى الخطورة ولن نسمح بذلك''. وإذا كان سير العملية الانتخابية في عدة محافظات مدرجة ضمن المرحلة الأولى من هذا الموعد الانتخابي سيتم في ظروف عادية فإن الأمر يبقى مغايرا بالنسبة لمحافظة القاهرة التي تشهد غليانا سياسيا وشعبيا غير مسبوق بعد أن استمرت القبضة بين آلاف المتظاهرين في ميدان التحرير والسلطات العسكرية على خلفية المطالب المنادية برحيل المجلس العسكري واستخلافه بحكومة إنقاذ وطني كما يطالب بذلك المتظاهرون. وهي المخاوف التي جعلت عدة أطراف في المشهد السياسي المصري تطالب بتأجيل الانتخابات على الأقل في مدينتي القاهرة والإسكندرية بسبب التوتر الذي يسودهما وهو الطرح الذي تبنته الأحزاب الليبرالية والمشاركين في مظاهرات ميدان التحرير وبين المنادين بإتمام الانتخابات اليوم قبل غد وهو الطرح الذي يدافع عنه الإسلاميون الذين يتوقع أن يحصدوا أغلبية مقاعد البرلمان المصري المقدر عددها ب498 مقعدا. ولكن طنطاوي الذي أراد أن يظهر بمظهر المتحكم في الوضع من خلال طمأنة الناخبين وحثهم على التوجه إلى مكاتب التصويت استنجد في المقابل بمحمد البرادعي وعمرو موسى من اجل مساندة رئيس الحكومة الجديد كمال الجنزوري في مهمته بعد أن رفضه الشارع المصري بقناعة أنه احد فلول النظام السابق ولا يمكن الثقة فيه بل أنهم اعتبروا تعيينه ضربا لمكاسب ثورة 25 جانفي ومحاولة للالتفاف عليها. ولكن البرادعي المرشح المحتمل للرئاسة المصرية أبدى استعداده لتولي مسؤولية تشكيل حكومة إنقاذ وطني والتخلي عن فكرة ترشحه لهذه الانتخابات لتوفير الثقة والحياد الكامل فى قيادته للمرحلة الانتقالية. وتتواصل لعبة الشد والجذب هذه وسط حسابات كل القوى السياسية المصرية الطامحة للتموقع في خارطة سياسية كانت حكرا على الحزب الحاكم وبين المجلس العسكري الذي لا يريد التفريط في كل صلاحيات الجيش سواء في المرحلة الانتقالية أو بعد الانتخابات النيابية وبين شارع اقتنع أن كل التحولات التي تعرفها البلاد إنما جاءت نتيجة تضحيات قدموها من أجل الإطاحة بالنظام السابق. وهو ما يجعل حسابات كل الأطراف تبقى مرهونة بمليونية ''الشرعية الثورية'' والنتائج التي تسفر عنها والمخاوف التي يمكن أن تترتب عليها في حال انزلقت إلى مواجهات كما حدث في اول يوم مما أصبح يعرف في مصر بالثورة الثانية.