لا تزال عملية تسوية البنايات غير المكتملة وغير المطابقة لقانون البناء والتعمير تسير بوتيرة بطيئة في بعض بلديات العاصمة، رغم مرور ثلاث سنوات على صدور القانون08-,15 وذلك بسبب نقص إعلام وتحسيس المواطنين الذين شيد العديد منهم بنايات بدون رخصة أو خارج المحيط العمراني، حيث زحف الإسمنت بصفة ملفتة للانتباه على أراضٍ زراعية هامة في بلديات ذات طابع فلاحي، ما شكل أحياء ومدن فوضوية لا تعكس الطبيعة العمرانية لمعظم المجمعات السكنية التي يهتم أصحابها بالجمال الداخلي، ولا يولون أي أهمية للواجهة الخارجية. المتجول بأغلبية بلديات العاصمة، يلاحظ فوضى العمران والبنايات غير المتممة التي أفقدت الأحياء جمالها، بسبب البناء العشوائي وعدم الاعتماد على مخطط عمراني منسجم، حيث يفتقد الكثيرون للثقافة العمرانية التي تسمح بإنجاز أحياء جميلة تستجيب للمعايير المعمول بها، إذ لم يتردد البعض في إنجاز بنايات أو فيلات وسكنات فردية فوق أراضٍ هي ملك للدولة، وأخرى مناطق فلاحية أو في مناطق معرضة لانزلاق التربة وذلك دون رخص بناء، مثلما هو الأمر ببلديات أولاد فايت، الشراقة، بوزريعة، بئر توتة، تسالة المرجة، الدويرة، بئر الخادم، السحاولة وجسر قسنطينة، حيث اِطلعت ''المساء'' على وضعية بعضها وما تقوم به السلطات المحلية في إطار القانون 08 /15الذي صدر منذ ثلاث سنوات لتسوية أكبر قدر ممكن من البنايات، ووضع حد للفوضى والاعتناء بالمظهر الجمالي خاصة بالنسبة للبنايات غير المتممة الحائزة على الرخص، والتي لم يهتم أصحابها بالواجهة الخارجية لإعطاء صورة جمالية للعاصمة، على غرار معظم عواصم العالم التي تتميز بنسق عمراني موحد، فالملاحظ أن أغلبية الجزائريين- منهم سكان العاصمة- يهتمون أكثر بتشييد بناياتهم وتقوية الخرسانة، كما لا يعيرون أي اهتمام للمساحات الخضراء المرفقة لمنازلهم، بل نجد بعضهم يستولي على جزء من الرصيف أو يحجب أشعة الشمس عن جيرانه من خلال تشييد بنايات ضخمة، دون البحث عن واجهة متناسقة تكون لها صلة بثقافة عاصمة البلاد. جهل المواطن وتخوفه يؤجل التسوية وفي هذا الإطار، كشفت الجولة التي قمنا بها لبلديات بوزريعة، أولاد فايت والشراقة، أنه وبعد ثلاث سنوات من صدور قانون مطابقة البنايات، لا يزال العديد من المواطنين يعزفون عن إيداع ملفاتهم لدى المصالح المعنية، خوفا من تعرض سكناتهم للهدم، خاصة بالنسبة للذين شيدوا سكناتهم في أراضٍ فلاحية أو ملكا للدولة، بينما حال نقص التحسيس دون إقبال البعض الآخر على الاستفادة من إجراءات القانون، كما تم في بعض البلديات رفض ملفات أودعت منذ أكثر من سنة دون علم أصحابها، حسب تصريحات تقنيين في بعض مصالح التعمير ل ''المساء''، الأمر الذي يتنافى وفحوى القانون الرامي لدفع المواطن لتحسين الواجهة الخارجية لمنزله، والاهتمام به أكثر وتصحيح الأخطاء المتراكمة منذ سنوات. ففي بلدية أولاد فايت التي تنامت فيها الفيلات والسكنات الفردية، تأخرت عملية إيداع ملفات التسوية من جويلة 2008 تاريخ صدور القانون إلى غاية نوفمبر,2009 حيث تم منذ هذا التاريخ وإلى غاية نهاية نوفمبر من السنة الجارية، إيداع 299 ملفا فقط، أودع منها 291 ملفا على مستوى مديرية التعمير والبناء لولاية الجزائر، بينما عالجت لجنة الدائرة 142 ملفا، وافقت على 42 ملفا فقط، ورفضت ,36 بينما تم التحفظ على 64 ملفا. وحسب تقني التعمير بأولاد فايت، فإن عملية إيداع الملفات من قبل المواطنين لا تزال محتشمة بسبب قلة التحسيس، مشيرا إلى أن أسباب رفض منح التراخيص يعود إلى إنجاز سكنات فوق أراضٍ زراعية، والاستيلاء على مساحات عمومية، ووجود بعض الحالات في منازعات عقارية على مستوى العدالة، والبناء خارج المحيط العمراني، مما أدى إلى تشكل مناطق تعمير عشوائية سواء بأولاد فايت أو بلديات أخرى، مثلما هو الأمر ببلدية الشراقة التي أوضح لنا رئيس مصلحة التعمير بها، أن عدد الملفات المودعة من قبل المواطنين هو 1045 ملفا منها؛ 324 ملفا لبنايات غير متممة وغير مطابقة لرخصة البناء، و721 لبناية متممة وبدون رخصة، حسب المحاضر المنجزة من طرف فرق المراقبة، أودع منها 727 ملفا على مستوى مديرية التعمير بولاية الجزائر، أما الملفات التي تمت دراستها بصفة نهائية، فبلغت237 ملفا فقط، رغم مرور ثلاث سنوات على صدور القانون. وحسب مواطن اِلتقته ''المساء'' بمقر البلدية، فإن أسباب تعثر السير الحسن للقانون راجع إلى عدم تنظيم أبواب مفتوحة على مستوى البلديات، لتوعية المواطنين الذين لا يزالون يجهلون القانون والغاية منه، بالإضافة إلى الوقت الطويل الذي تأخذه دراسة الملفات، حيث ينتظر المواطنون قرابة سنة كاملة للحصول على رخصهم ومعرفة مصير ملفاتهم. أما ببوزريعة، فإن قانون مطابقة البنايات وتحسين واجهاتها، أثار اهتمام العديد من السكان الذين اعتبروه خطوة إيجابية لتسوية وضعية بناياتهم غير المكتملة، مع تجميل وإعادة الاعتبار للواجهات الخارجية، ووضع حد لحالات عدم إنهاء البنايات واحترام الآجال المحددة في البناء، فقد تم إيداع 886 ملفا إلى غاية 14 ديسمبر الجاري، وذلك بغرض الحصول على شهادة المطابقة، شهادة المطابقة وإتمام البناية، عقد الملكية ورخصة البناء، حوّل منها 587 ملفا إلى مديرية التعمير والبناء لولاية الجزائر، أي أكثر من 50 بالمئة من الملفات. تعليمة التجميد تعرقل التسوية وحسب تقنيين بمصلحة التعمير ببلدية بوزريعة، فإن العملية كانت تسير بوتيرة جيدة، إلى درجة أن الملفات أصبحت ترفض من قبل لجنة الدائرة التي اتخذت هذا القرار في اجتماعها الأخير المنعقد بداية الشهر الجاري، بحجة أن السكنات تقع في مناطق ممنوع البناء فيها بصفة قطعية أو ما يعرف ب G3 ،حسبما نص عليه قرار الوالي الصادر عقب كارثة باب الوادي؛ حيث كلف مكتب دراسات أجنبي لإعداد دراسة على المناطق التي مسها الفيضان سنة ,2001 وأضاف المتحدثون ل ''المساء'' أنهم واقعون في مأزق ما بين تطبيق قانون 08-15 الذي ينص على تسوية وضعية المواطن، وما بين تعليمة الوالي التي تقول: إن هذه المناطق مجمدة، لأن الدراسة لازالت قيد الإنجاز، ولم تستكمل منذ سنوات. وبينت أن معظم مناطق بوزريعة تعد من المناطق التي يمنع بها البناء باستثناء وسط البلدية التي تضم الأحياء الراقية، على حد تعبير أحد الموظفين. وأبدى هؤلاء قلقهم إزاء تعليمة التجميد التي لاتزال مستمرة، في حين يجب تسوية وضعية المواطنين قبل انقضاء مدة سريان مفعول القانون الذي يحميهم أي قبل ,2013 سواء بمنحهم رخصة البناء أو منحهم شهادة مطابقة، فالتعليمة -حسبهم- عرقلت القانون الذي تحدث عن التسوية دون ذكر نوعية المناطق التي تم البناء فوقها، متسائلين في هذا الصدد، كيف نعاقب مواطنا أتم بنايته بصفة كاملة، ولماذا لم يتم إخطار هؤلاء المواطنين وتبليغهم بالمناطق الواجب تجنبها في عمليات البناء، أو الإقامة قبل شروعهم في إنجازها في تلك المواقع المصنفة G2 وG3 أي المعنية بالتجميد، حيث سيتم بناء على ذلك، رفض أغلبية الملفات التي دفع أصحابها مبالغ تصل إلى عشرة ملايين سنتيم لاستخراج كم هائل من الوثائق، كما ستدفع هذه العراقيل سكان العاصمة إلى إنجاز سكنات بصفة غير قانونية، خاصة أن الملفات أصبحت ترفض بصفة جماعية ولا تدرس على مستوى لجنة الدائرة حالة بحالة. وحسب مهندسي وتقني التعمير، فإن أغلبية الملفات سترفض بسبب التعليمة التي تنص على التجميد، ما جعل المواطنين يوجهون أصابع الاتهام لأعوان البلدية الذين اعتبروهم المتسبب الأول في رفض ملفاتهم، فضلا عن مشكل عدم تلقي البعض الآخر الرد على ملفاتهم التي تم إحالتها على مصالح التعمير منذ مدة طويلة ببعض البلديات، بالرغم من أن القانون واضح في هذا المجال. وفي هذا السياق، اعتبر المتحدثون القانون منعرجا حاسما في تحقيق نسيج عمراني منسجم، إلا أنه اصطدم بكسر الثقة بين المواطن والإدارة، خاصة السلطات المحلية التي يحملونها المسؤولية في غياب استراتيجية واضحة لتطبيق القانون الذي جاء لتسوية وتصحيح وضعية البنايات، دون ذكر مواقعها. معالجة الملفات يتطلب إشراك المختصين وفي هذا السياق، أوضح رئيس المجمع الوطني للخبراء المهندسين الجزائريين السيد عبد الحميد بوداود ل''المساء''، أنه من أسباب عدم تطبيق هذا القانون على أرض الواقع ، البيروقراطية الإدارية التي أدت إلى فقدان الثقة بينها وبين المواطن، وتعطيل تسوية وضعية ملفات الكثير من المهتمين، وجهل معظم الناس بفحوى القانون، بسبب غياب التحسيس وعدم تخصيص أبواب مفتوحة لشرح فحواه، وعدم إشراك المواطن واستشارته قبل سن القانون، طول مراجعة الملفات التي أدت بالمواطن إلى التراجع عن إيداع ملفه لدى المصالح المعنية، كما أن الملفات المودعة تشمل القطاع الخاص فقط دون القطاع العام، رغم أن القانون يمس القطاعين العام والخاص، وأكد المتحدث في اللقاء الذي خص به ''المساء'' أن هذا القانون سيكون مصيره مصير قانون 1985 الذي لم يطبق بسبب غياب متابعة تطبيقه ميدانيا، كما ألح على ضرورة وضع استراتيجية لتصنيف الملفات حالة بحالة على مستوى البلديات، كون بعض الملفات لا تتطلب أكثر من نصف ساعة لمعالجتها، وإشراك المختصين في دراسة الملفات خاصة أن عدد المهندسين المعماريين بلغ 12 ألف مهندس معماري و4 آلاف مهندس مدني. واعتبر المتحدث أن إحالة الملفات على مديرية التعمير للبت فيها، نقطة سوداء حالت دون تسوية أغلبية الملفات، لأن هذه الأخيرة تنظر بعين رخصة البناء وليس بعين التسوية التي جاء القانون من أجلها، كما دق محدثنا ناقوس الخطر حول الوضع الذي آل إليه العمران في العاصمة التي صنفت في المرتبة الخامسة ما قبل الأخيرة في ترتيب مدن العالم، مستدلا بحيي الجرف والحميز، بسبب غياب المراقبة وفرض الصرامة في تطبيق القوانين، حيث اقترح في هذا المجال فرض غرامات مالية لوقف فوضى العمران الذي تزيد حدته من سنة إلى أخر