''البلوزة''زي تقليدي جزائري بامتياز، تشتهر به منطقة الغرب، لكنها زينة لعروسات الجزائر في كل المناطق، بعد أن أصبحت جزء من ''التصديرة''. ولأنها كذلك، فقد فضلت وزارة الثقافة أن تكون عنوانا للطبعة الأولى من المهرجان الوطني الثقافي للزي التقليدي الجزائري الذي احتضنه قصر الثقافة مؤخرا. زيارتنا للمعرض وحديثنا مع بعض المصممات اللواتي شاركن في المهرجان، أظهر لنا عاملا آخر أكثر أهمية لاختيار'' البلوزة''، وهو محاولة المغرب لاحتواء هذا الزي ضمن تراثه، فضلا عن قول البعض بأن هذا الزي أصوله ''يهودية''، وهو مايفسر إطلاق شعار ''بلوزتنا'' على التظاهرة. وتكذب محدثاتنا جملة وتفصيلا هذه الإدعاءات، فبالنسبة للسيدة خويرة سباح من مستغانم، فإن البلوزة جزء أصيل من اللباس الجزائري، والدليل هو عرض واحدة يعود تاريخها إلى سنة ,1896 وهو مالايدع مجالا للشك في أنها من عمق تاريخنا، أما بالنسبة للقول بأنها لباس يهودي، فإن السيدة سباح، وهي في الستينات من عمرها، تتذكر جيدا الزي الذي كانت ترتديه النساء اليهوديات القاطنات بمستغانم، وهو مليء بالألوان والزهور ومختلف تماما عن البلوزة. لكنها بالمقابل تعترف بأن أكبر خياط للبلوزة في هذه الولاية الغربية ينتمي إلى عائلة يهودية جزائرية، وتقول: ''أيامها لايمكن أن نتصور سيدة تخيط بلوزتها عند شخص آخر غير السيد زلماطي الذي كان بمثابة علامة مسجلة في هذا المجال... لكن هذا لايعني أن الزي ليس جزائريا''. والبلوزة هي زي تختلف ألوانه والمطرزات التي تزينه، لكنه لايخرج عن شكله التقليدي المتمثل في صدر مزركش ومملوء بالسمسم والنجوم والطرز-كل حسب رغبته- وقصة مميزة وأقمشة تتراوح بين الساتان والحرير والقماش المخرم، والمنسوج الحريري التقليدي والقماش المرصع بالنجوم. أما الألوان، فهي بدون حدود. وهو مابدا جليا في البلوزات المعروضة خلال المهرجان، والتي يعود عمر بعضها إلى أكثر من 50 سنة. السيدة سباح أصرت على عرض بعض من تشكيلة بلوزاتها؛ منها واحدة عمرها أكثر من أربعين عاما، وهي تفتخر لأنها تحتفظ بها، بل وتداولت كل بناتها وحتى بعض صديقاتها وجاراتها ارتداءها في المناسبات والأفراح. هذه الأخيرة للإشارة، هي الفضاء الذي تُرتدى فيه البلوزة التي توصف بأنها ''لباس أفراح''، حتى وإن كانت بعض ''الموديلات'' مخصصة للحمام، وهي عادة ماتكون باللونين الأبيض أو الوردي. وتقول السيدة نصيرة حميدة -مصممة أزياء من مستغانم-: إن البلوزة، إلى جانب الكراكو، من أكثر الألبسة التقليدية التي تقبل عليها النساء في غرب البلاد -مع الإشارة إلى أن البلوزة تلبس فقط من طرف السيدات وليس العازبات-، لكن الفرق بينهما هو أن الكراكو يمكن كراؤه من المحلات المتخصصة أو اقتناؤه، أما البلوزة فلا يجوز شراؤها، لأن العادة تقتضي أن تتم خياطتها، وليست العادة فقط هي السبب ''الأشكال المطروح في البلوزة أن لها أشكالا وألوانا ومطرزات مختلفة، وكل واحدة تريد أن تكون بلوزتها مميزة وليست مثل التي ارتدتها الأخريات، ولذا فإن المطالب كثيرة والمنافسة شديدة في هذا المجال، وهو ما أدى إلى الاجتهاد والإبداع على مستوى الخياطات، لاسيما وأن الفتيات اليوم يبحثن عن الموضة حتى في التقليدي، فهن يخترن الألوان الدارجة وكذا الأقمشة الجديدة، رغم أننا في هذا الجانب قد لانملك خيارا كبيرا لأننا نعمل بما تجود به سوق الأقمشة... وهو السبب في هذا التطور الذي نلاحظه في استخدام الأقمشة''. لكنه الإبداع الذي قد يفقد هذا الزي التقليدي روحه أحيانا، كما تشير محدثتنا، منبهة إلى أن الاجتهاد ومحاولة التميز لايجب أن يخرجا عن إطار التراث الموروث، حتى تتم المحافظة على أصالة الزي في بوتقة العصرنة. ولأن البلوزة -كما قلنا- أصبحت ''زيا وطنيا''، فإن خياطتها وتصميمها لم يعد حكرا على غرب البلاد، وهو ما ظهر جليا في الطبعة التي ضمت بلوزات من تصميم خياطات عاصميات؛ منهن السيدة فتيحة صاولي، وهي من المصممات المعروفات، انتقلت من الخياطة العصرية إلى الخياطة التقليدية بكل أنواعها، إدراكا منها بأهمية الحفاظ على هذا الإرث، ولأنها -كما تعترف- مصدر كسب هام، ''والأهم منه هو النجاح والتألق فيما نقدم، كما تقول. ونجاح السيدة صاولي الذي تعتز به كثيرا هو تمثيلها للجزائر في محافل دولية كثيرة، مما سمح لها بالقيام ب''جولة حول العالم''، على حد تعبيرها، امتدت من اليابان إلى غاية سلطنة عمان، مرورا بتونس وفرنسا والأردن ودبي وسويسرا وألمانيا وإسبانيا. كما تعتز بكونها مصممة اللباس التقليدي الخاص بالقاضي المعروض في كل من المحكمة العليا وقصر العدالة. وعن البلوزة، تشير إلى أنها من الأزياء الجميلة المطلوبة من طرف السيدات في كل مناطق الوطن، وهي وإن كانت سهلة من حيث الخياطة، فإن صعوبة تصميمها تكمن في طرزها وتزيينها الذي يتم يدويا، وهو أساس الزي. وفي مهرجان البلوزة حضرت كذلك ''الشدة'' المستغانمية والتلمسانية، وهي لباس العروس الذي لايمكن الإستغناء عنه في هتين الولايتين، فإلى غاية اليوم ورغم ماتتطلبه من إكسسوارات ومجوهرات ذهبية، تبقى ''عادة راسخة'' لدى العائلات لاسيما المحافظة. والشدة لباس تقليدي يميزه في مستغانم ''شاشية السلطاني'' المرصعة بنقود ذهبية يعود تاريخها إلى قرون مضت، وهي متوارثة عبر أجيال، تصر العائلات المستغانمية على الاحتفاظ بها بقدر الإمكان، مثلها مثل النواشة-قطعة تعلق على رأس العروس- والعبروق حجاب العروس- طبعا دون أن ننسى قطع ''اللويز والكرافاش وخيط الروح''- أنواع من العقود التقليدية - والجوهر والعقيق وكذا الحزام الذي لاترتديه العروس إلا حين تدخل بيت زوجها، والحكمة هنا هي ''أن تربط على طبائع بيت زوجها''، ولاننسى المنديل أو ''السالف'' و''السوتاج'' وهو لباس الحمام. هي إذا بعض مظاهر تراث حافظت عليه عائلات منذ قرون، وهي اليوم تصر على توريثه للأجيال القادمة، وقبل ذلك صيانته من ''السرقة'' التي لايمكن أن نلوم الآخرين عليها بقدر مانلوم أنفسنا، لأننا لم نستطع أن نسوق لها، ففعل الآخرون ذلك بدلنا.