تنطلق اليوم والى غاية 17 جانفي بقصر الإمامة بتلمسان، فعاليات الملتقى الدولي »تاريخ تلمسان الأدبي«، التي تنظم بمبادرة من المركز الوطني للبحوث في عصر ما قبل التاريخ علم الإنسان والتاريخ وجامعة ''ابو بكر بلقايد''، والملتقى مناسبة علمية سانحة لنفض الغبار عن تراث تلمسان الأدبي وإعادة الروح إليه... يشارك في الملتقى جمع من الباحثين والمؤرخين من مختلف الجامعات ومراكز البحث في الجزائر وبعض البلدان العربية، منها تونس، المغرب، العراق، سوريا، مصر، موريتانيا، الكويت، الأردن، السعودية وليبيا. جاء الملتقى المخصص لتاريخ تلمسان الأدبي كي ينفض عن هذه الحاضِرة ما ران على تراثها الأدبي من نقع وضبابية ويعيد إليها حياتها ويبعث مجدها التليد بالعودة إلى أيامها الطافحة بالعطاء. عرفت تلمسان فنونا أدبية في مختلف التخصصات ونبغ من علمائها من نظّروا في حقول النقد المختلفة مثل اللغوي البلاغي ومن طبقوا في قراءاتهم مناهجه المتميزة على غرار الفني والخلقي والتاريخي والوصفي والتأويلي وغيرها، كما تعرضوا لمصطلحات أدبية ونقدية في شروحهم الدينية عامة. إن من أروع ما سجله التاريخ الأدبي لتملسان، أن أعلامها أسسوا مدرسة نقدية بين القرنين السابع والتاسع الهجريين، الأمر الذي يدعو الى الفخر والبحث أكثر وتعميق النظر في تراثنا التلمساني بخاصة والجزائري بعامة، والعمل بلا كلل أو ضجر لبلوغ القصد، باعتبار أن الأمة في تطلع واشرئباب الى كل جديد وفي شغف حار الى المزيد، وذلكم ما سيقوم به باحثون أكاديميون من مختلف رجالها العظماء الذين أسسوا لتاريخ تلمسان الأدبي قبيل الخمسية الهجرية الثانية وما بعدها، لأن الحديث عن تاريخ هذه المدينة يجر حتما الى أسماء خلدها الزمان عبر ما أبدعت وأنتجت فبقيت طيبة الذكر ابدية الحضور في مخططات عالمية، وإن غيبت بكل أسف في معظم الندوات والمؤتمرات والبحوث الجامعية وطنيا وعربيا. ظلت تلمسان منذ تأسيسها قبلة للدارسين وملتحدا لطلاب العلم والفن، وما من أحد يستطيع الآن أن يحصي تاريخها أو يعد علماءها الذين وطئت أقدامهم الطاهرة ثراها وتنقلوا بين ربوعها ورباها وأبوابها ورياضها، وأقاموا حقبا بين أهلها أو مروا عليها في طريقهم الى حواضر العلم مشرقا ومغربا، فمنهم من درس بمدارسها ومنهم من خطب أو حاضر بمساجدها. على مر العصور كانت تلمسان قلعة للثقافة العربية الأصيلة وحقلا خصبا للإبداع بعامة والأدبي بخاصة. حين تذكر تلمسان تتبادر الى الذهن أسماء أعلام سجلوا أنفسهم في قراطيس التاريخ الأدبي من أمثال ابن خميس وأبناء الإمام والمرازقة والمقريين والعقبانيين والشيخ السنوسي وسيدي بومدين ويحيى بن خلدون والمجاوي وابن ابي حجلة والشريف العلوي وابنه وابن يخلف والمصمودي وابن مخلوف وابن مريم وغيرهم... فالأسماء كثيرة والنماذج عديدة والكتابة عنهم مثيرة، وذلكم ما يطمح إليه هذا الملتقى الذي جاء في وقته بعد أن غطى النسيان تراثنا وهدت يد الأهمال أدباءنا. تلمسان هي ايضا منبت العظماء ومرقد الأدباء في العربية الفصحى والعربية الشعبية، التي انتج بها كثير منهم في مختلف الاغراض والفنون، وذلك ما دعا المنظمين إلى تخصيص محور للأدب الشعبي الذي ترك اصحابه بصمات على هذا الفن، ما تبرح الأجيال الحالية تتغنى به وكأنه وليد يومه لما يحمله من عاطفة متقدة وما يسِمه من جمالية تتصل وجدانيا بالأفئدة وتنسجم مع ذوق المغنين والمنشدين، فتتعالى أصواتهم وترتفع حناجرهم به في تأثر وانفعال. للإشارة، تتضمن أشغال الملتقى أربعة محاور، الأول خاص بالشعر في تلمسان (المدح، وصف الطبيعة، الغزل، المديح النبوي والمولديات، الرثا، الحكمة، الخاطرة، العتاب، الزهد والتصوف، الشكوى والحنين، الصيد، الاعتذار، الشعر التعليمي، الشعر الفقهي، الموشحات وقراءات). المحور الثاني خاص ب النثر (نثر التراجم والسير، الرسائل الإخوانية، الديوانية، أدب الرحلات، المخطوطات والمصنفات الأدبية، الخطب وأنواعها المقامات والمنامات، المناظرات، النثر الفني، النثر التعليمي). المحور الثالث خاصب »اللغة والبلاغة والنقد« (لغوي، بلاغي، فني، المنهج الاجتماعي، المدرسة، النقدية التلمسانية، المصطلح الأدبي والنقدي، التقريظات، النحو وأعلامه، الشروح والتفاسير). المحور الرابع يتضمن »الأدب الشعبي« (المديح النبوي، الفخر والحكمة، الشوق والحنين، الزهد والتصوف). من جهة أخرى، يتضمن الملتقى عدة جلسات وموائد مستديرة ومناقشات بعناوين مختلفة، يديرها باحثون جزائريون وعرب منهم نزهة بن سعدون من المغرب، ومجبة عرفة من تونس ونجاة خدة من الجزائر، والكثير الكثير من الباحثين الذين سيعرضون كنوز ومآثر تلمسان في فنون الأدب والشعر.