بين البشر علاقات إنسانية استمرت عبر مختلف الأمكنة والأزمنة، رغم أنها متعددة الأشكال والانتماءات والمواقف... فالاختلاف ظاهرة سادت منذ أن عمّر الإنسان المعمورة، ورغم ذلك يقال إن الاختلاف لا يفسد للود قضية، فهل هذا صحيح؟..''المساء'' استطلعت بعض الآراء للإجابة عن هذا التساؤل. الاختلاف كثيرا ما يتحول إلى خلاف، كان هذا هو الرأي الذي أجمع عليه عدد من المواطنين في غياب واضح لآليات الحوار في المجتمع الجزائري. بداية، تقول السيدة حميدة (خبيرة حقوقية): ''نختلف جميعا بطبيعة الحال.. والاختلاف سمة عامة وسط البشر. وتستدرك:''لكن الاختلاف حسب ما يظهره الواقع المعيش، يفسد في العديد من الأحيان للود قضية''. وعن السبب، ترد أنه حينما يؤدي الاختلاف في الآراء إلى المساس بمشاعر الطرف الآخر، فهنا يتحول الاختلاف إلى خلاف فيفسد كل الود! ومن خلال تجربتي في الحياة، صدمت بعدة مواقف متشنجة بسبب النزعة الهجومية التي تتأتى من جهل البعض لسبل توصيل الرسالة بالتي هي أحسن''تضيف السيدة حميدة, ولا يسعنا في هذا السياق سوى أن نعترف بأن مجتمعنا غير قادر على التعاطي مع آراء متباينة ومتضاربة، والسبب في ذلك يرجع إلى طرق التربية السائدة لدينا. فكثيرون لا يعرفون للحوار والمرونة في التخاطب سبيلا، وهنا مكمن الخطأ الذي يقع فيه المتعلم قبل غير المتعلم، ومن جانبه، يروي السيد ''سليم''(موظف): في الوسط المهني، فقدت صداقات، وأعتقد بأنه لم يكن ثمة مبرر لفقدانها، لأنّه يجب احترام الآراء وإدراك حقيقة أن الاختلاف ليس خلافا، فمشكلتنا تكمن في انعدام الحوار الذي من شأنه أن يبدد الشكوك التي تنشأ بحكم الأحكام المسبقة التي نطلقها على الآخرين''.. ويستطرد محدثنا: ''هذه المقولة لا تجد مجالا للتطبيق في حياتنا العامة، خاصة في مقرات العمل، فكثيرا ما تعود علينا الاختلافات في المجال المهني بردود سلبية تترجمها نظرة الشك والعداء، وأنا شخصيا تعرضت لموقف كهذا، تحملت بموجبه تبعات سوء الظّن، لاسيما وأنني لم أجد آذانا صاغية بل أوصدت أبواب الحوار في وجهي بفعل التشنج الذي أصبح للأسف صفة طاغية في تعاملاتنا اليومية. ويتفق السيد''عبد السلام''(كاتب) مع السيد ''سليم''، حيث يقول: ''العلاقات غير قائمة على تشابه الآراء، ونحن نكمل بعضنا بما نحمله من أفكار متباينة، بل على العكس، سمة الاختلاف تجدد الحياة إذا ما توافرت أسس التعامل معها، والمتمثلة في الاحترام والتعايش''. ويستكمل محدثنا: ''طبعا الاختلاف لا يفسد للود قضية، وهذا ما يدل عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ''الاختلاف رحمة''.. ولننظر من حولنا لنجد أنّ الطبيعة محفوفة بمظاهر الاختلاف والتناغم، وأنّ البشر -كما يرد في الذكر الحكيم- يختلفون في الألوان والألسن، ومنه ليس من الغريب أن يختلف البشر في الآراء والتصورات، وما هذا الاختلاف إلا جسرا للتكامل والتقارب وكذا التناغم والتجدد، فلو كان المجتمع البشري يتميز بوجود فكر واحد لأصيب بالجمود، لكنّ رحمة الاختلاف تجعل الفكر نهرا متجددا. وبرأي محدثنا الكاتب، فإنّ التعصب الذي يعد مرادفا لطغيان الأنا هو منشأ الخصومة.. وفي هذا الصدد لا يجب أن نغفل حقيقة مفادها أنّ ما أخرج إبليس من رحمة ربّه هو طغيان الأنا الذي يتجلى في الآية القائلة: ''أنا خير منه''. أما المخرجة ''سلوى''، فتسرد ل''المساء'': ''استشعرت في لحظات كثيرة بأن حياتنا تحوي الكثير من التكهرب بسبب افتقارنا لفن الإصغاء، حيث أن عملية الاتصال في المجتمع الجزائري تعاني من خلل كبير يترجمه ردود الأفعال الساخنة التي تظهر بين الأشخاص لمجرد الاختلاف في موقف ما أو قضية ما، فكل طرف يحاول فرض رأيه، وليت الأمور تتوقف عند هذا الحد، إنّما تصل إلى حد يأخذ من خلاله كل طرف موقفا من الآخر! وفحوى القول هنا هو أن الثقافة السائدة في مجتمعنا لا تبيح تعددية الآراء ولا تهيأ الفرد لتقبل النقاش بصدر رحب. وتبدي السيدة ''نهاد''(خريجة معهد الإعلام والاتصال) وجهة نظرها في الموضوع قائلة:المفروض أنّ الود يبنى على قاعدة المحبة والصداقة، لكن للأسف هذه المفاهيم تسير في طريق الاندثار، لأن المحبة التي كانت تُكوّن صداقات حقيقية اختفت بعدما اقتحمت الحسابات المادية نسيج العلاقات البشرية.. ولهذا السبب، صرت أتوخى الحذر في التعامل مع الغير، ولا أعتبرهم ضمن الصداقات الحميمة!''.. فهذه الأخيرة أجدها في محيطي العائلي فحسب. وتواصل: ''مبدئيا لا أنكر مقولة الاختلاف في الآراء لا يفسد للود قضية، لاسيما إذا بني على أساس حواري ومغلف بالاحترام حتى لا تذهب علاقاتنا بالآخرين هباء منثورا لمجرد أن يعترضنا متغير ظرفي، فالعلاقات الإنسانية لا يمكن أن تتواصل في وجود التشنج الذي حل محل التنازل المطلوب لترطيب الأجواء. وتشير وجهات النظر في عمومها إلى أن الاختلاف سمة طاغية في المجتمعات البشرية، وليست عاملا في إفساد الود، إنما عدم إتقان فن التحاور والميل للتعصب وفرض الآراء هو الشرارة القابلة لفقدان الصداقات والاحترام بين الزملاء وعامة الناس.. وأنّ التنشئة الاجتماعية في مجتمعنا تبقى بأمس الحاجة إلى قيم تنشر ثقافة الإصغاء للرأي الآخر دون انفعال.