أحيت الإذاعة الثقافية أمس، عيد ميلادها ال 17 من خلال ملتقى خصص ل''الإعلام الثقافي ودوره في ترسيخ القيم الوطنية''... اللقاء الذي نظم بنادي عيسى مسعودي تخللته محاضرات إضافة الى تكريم عدد من الأسماء الإعلامية والثقافية التي مرت بهذه الإذاعة. في كلمته الترحيبية، استعرض رشيد صالحي، وهو أقدم منشط ب''الثقافية''، مسيرة هذه القناة التي أطلقت في 1 فيفري 1995 كأول قناة موضوعاتية مهتمة بالشأن الثقافي، كان ذلك في ظروف قاسية واستثنائية عاشتها الجزائر (فترة الإرهاب) وبالتالي وجدت ''الثقافية'' نفسها أمام جملة من التحديات الضاغطة، فوسط الأخبار الحزينة التي تصنع يوميات الجزائريين كان لابد من النهوض بصناعة إعلام ثقافي متخصص استطاع رغم المآسي الصمود وبلوغ النضج يوما بعد آخر، كما استطاعت انتشال الجمهور من أحزانه وفتحت آفاقا أخرى يستطيع بها الصمود. تذكر رشيد الزميلة ياسمينة بريخ المغتالة على يد الإجرام، والتي تستوجب المناسبة الترحم عليها في ذكراها إذ كانت من الطاقم المؤسس للقناة الثقافية، مارست دورها التنويري في المجتمع وحاربت الجهل الغاصب الذي سرق ياسمينة... كما تم استعراض أسماء أخرى برزت في القناة وتنشط الآن على الساحة الإعلامية العربية، منها أمينة شريح، نور الدين مراح، زموش، خلفاوي وغيرهم كثير ولا يزال الباقون يقدمون الإضافة. من جهته، أكد السيد توفيق خلادي المدير العام للإذاعة الوطنية على التحديات التي واجهتها الإذاعة، ولكن رغم ذلك حملت لواء إعادة البناء، مرورا ب 50 سنة من الوجود لتصبح اليوم 50 قناة بين موضوعاتية وجهوية وإلكترونية آخرها إذاعة ''جيل أف أم'' التي افتتحت منذ حوالي 20 يوما، وكلها موجودة من أجل خدمة إعلامية نزيهة تستجيب لمتطلبات الواقع وتحترم المعايير المشركة لمجتمعنا. وأكد المتحدث أن الدولة تكفلت بتوفير كل الإمكانيات من خلال دفتر عمل خاص قصد مواجهة تحديات الانفتاح الإعلامي ولضمان المنافسة الشريفة. انطلقت التكريمات التي خصت المديرين السابقين للإذاعة الثقافية ومنهم محمد عميري، فاطمة ولد خصال وجمال شعلال، بعضهم (ولد خصال وعميري) تحدث عن الظروف الصعبة التي انطلقت فيها الثقافية، وكذا عن مهامها كوعاء تصب فيه كل الثقافات وكلسان حال المثقف الجزائري. توالت بعدها تدخلات الحضور منهم الدكتور ولد خليفة، الذي دعا الى ضرورة تثمين معيار النقد الذاتي، مؤكدا على أهمية الثقافة باعتبارها الآلة التي تقود الشعوب وتعطيها قيمتها الحقيقية وتنتشلها من التبعية. أما إنعام بيوض فقدمت بعض الاقتراحات للقناة، كإدراج ثقافة الطفل وتجنب البرامج المطولة وغيرها، علما أن إنعام تشارك في القناة بصوتها الإذاعي الشجي. الأستاذ خليفة بن قارة المدير الحالي للقناة، قدم لمحة عن تاريخ القناة التي كانت بمثابة الوليد بالنسبة للإذاعة الوطنية، وكان لزاما على هذه الأخيرة حمايته من المخاطر التي هبت على الجزائر. تميزت ''الثقافية'' حسب مديرها ببصمة وضعها أفراد من أجيال مختلفة، بدأت ب 10 أفراد كانوا بمثابة دعاة في زمن الجاهلية كانت تنقصهم الإمكانيات وقصر موجات البث، لكنها استمرت ونجحت وهاهي الآن تبث 40 برنامجا في الأسبوع وبمعدل 6 ساعات في اليوم، إضافة الى امتلاكها مكتبة الكترونية وأخرى ورقية، وهي الآن تروج للإبداع وللفعل الثقافي وتواجه رياح العولمة العاتية وثقافة المسح والسلخ، كما استعرض أهمية الأمن الثقافي في استراتيجية الدولة الجزائرية. انطلقت بعدها سلسلة المحاضرات كانت بدايتها مع الدكتور سليم قلالة من خلال محاضرته ''الرسائل الإعلامية للدوريات الثقافية في الجزائر''، تناول فيها دور الدوريات بداية من القرن ال ,19 حيث شهدت هذه الفترة إنشاء 6 دوريات كلها تابعة للمستعمر الفرنسي كي تحمل حملاته العسكرية والسياسية، ثم صدور الدوريات الجزائرية الوطنية مع بداية القرن ال 20 وكلها كانت حجر عثرة أمام مخططات الاستعمار مما جلب لها المشاكل والمصادرات، ليصل المحاضر الى مرحلة الاستقلال التي واكبت فيه الدوريات تحولات ومرحلة بناء المجتمع مع استعراض قوانين النشر حتى الوقت الحاضر، معتبرا أن التحديات اليوم أكبر لمواجهة مخططات الآخر، علما أن التوازنات لا تزال مختلفة. الدكتور محمد طيبي من جامعة وهران، ربط بين الإعلام والتواصل، مشيرا الى أن الأمم تتشكل باتصالها وبفعاليته المنتج للمعاني، وأن انحطاط الأمم يبدأ بانحطاط منظومة التبليغ (الإعلام والاتصال) وليس بانحطاط السلطات. مؤكدا أن الأجيال الجديدةبالجزائر قادرة على مسؤولية النهوض بالجانب الإعلامي الاتصالي أكثر من الجيل الذي سبق.