يواجه سكان العاصمة مشكل نقص فضاءات اللعب والترفيه بالعديد من الأحياء التي تحول معظمها إلى حظائر عشوائية للسيارات، كما التهمت مشاريع البناء الكثير من المساحات الخضراء التي غزاها الإسمنت، إذ يلاحظ المتجول في أغلبية بلديات العاصمة ال,57 أن أحياءها تشبه ''الأقفاص'' نتيجة ظاهرة التسييج العشوائي لبعض العمارات والمساحات القريبة منها، في ظل عدم تحرك السلطات المحلية وعدم تدخلها لإيقاف هذه السلوكات التي حرمت الشباب وخاصة الأطفال من اللعب في أماكن آمنة. هذا في الوقت الذي يؤكد خبراء في العمران ل''المساء'' أن المواطن الجزائري يستفيد من5,0 إلى متر مربع من المساحات الخضراء، مقابل 10أمتار يفرضها المقياس العالمين، أي أن النقص يعادل بنسبة أزيد من 90 بالمائة. فإذا كانت بعض البلديات محظوظة، كونها تضم حدائق وحظائر للتسلية وفضاءات للراحة والترفيه ذات نوعية، على غرار حديقة ''بروس تيتو'' بباب الزوار و''الوئام'' ببن عكنون و''الحامة'' ببلوزداد، حيث يجد سكانها ضالتهم من خلال استغلال أوقات الفراغ للتنقل إليها بسهولة، من أجل الراحة والترفيه، فإن معظم البلديات تنعدم فيها مثل هذه المرافق التي أصبحت الوجهة المفضلة لأغلبية العائلات القريبة منها والبعيدة، فغياب فضاءات اللعب والترفيه بأغلبية الأحياء العاصمية، فرض على الكثير من العائلات التنقل إلى الحدائق والفضاءات البعيدة عن مقر سكناها، ومنها الواقعة خارج العاصمة؛ كمنطقة الشفة بالبليدة أو الحمدانية بالمدية، حتى وإن تطلب ذلك مصاريف إضافية، وهو ما أشار إليه معظم الذين تحدثنا إليهم خلال الجولة الاستطلاعية ببعض البلديات، حيث أكدت إحدى السيدات بحي المنظر الجميل ببلدية القبة، أن حيهم يفتقر لمرافق الترفيه والتسلية، ما حرّم أطفالهم من اللعب في أماكن قريبة من منازلهم، بالرغم من وجود عقارات، مشيرة إلى أن الحي أصبح تجاريا مئة بالمئة، وتميزه الفوضى بسبب انتشار محلات البيع بالجملة وغزو الإسمنت لجميع المساحات، ما يضطرهم إلى أخذ أبنائهم إلى غاية الأحياء المجاورة بالبلدية، حيث تتوفر بعض فضاءات التسلية والراحة للصغار والمسنين. وفي هذا السياق، ذكر بعض المواطنين أن السلطات المحلية تجاهلتهم، ولم تشعرهم بنوعية المشروع الذي يجري إنجازه بحديقة ''الإخوة كسي'' المتواجدة على مستوى شارع الإخوة حامية بالقرب من مقر بلدية القبة، وأوضح بعضهم ل''المساء'' أن الحديقة كان يلجأ إليها الصغار والكبار قبل أن يستفيقوا على تسييجها وأشغال الحفر، لتحويلها إلى ساحة-حسب ما كتب على لوحة-علقت بأحد جدرانها. من جهتهم، ذكر بعض سكان حسين داي أن وضعهم ليس أحسن حال من البلديات المجاورة، فرغم أن بلديتهم هي مقر بلدية ودائرة في نفس الوقت، إلا أنها تشهد نقصا فادحا في فضاءات اللعب والترفيه والراحة، سواء بالنسبة للصغار أو الكبار، مما أدى -حسب بعض الأولياء- إلى انتشار الآفات الاجتماعية، حيث يلجأ سكان حسين داي عادة إلى البلديات الأخرى للترفيه والراحة، خاصة منذ غلق حظيرة التسلية بالخروبة القريبة منهم، وذلك في انتظار استفادتهم من فضاءات ببلدياتهم التي يبدو أن تجسيدها بعيد المنال، مثلما اكتشفناه من تصريح المسؤول الأول بالبلدية السيد حسين قاصد ل''المساء''، الذي أكد أن البلدية تواجه مشكل العقار وعدم امتلاكها لأي أرضية تسمح لها بإنجاز مثل هذه الفضاءات، مشيرا إلى أنها تفتقر حتى ل 300 متر مربع، ما حرمها من مشاريع هامة؛ من بينها فضاءات اللعب، باستثناء حي بن بولعيد الذي استفاد من فضاءات وسط العمارات، في انتظار تجسيد فضاءات مماثلة في أحياء أخرى، في حال موافقة سكانها. من جهتها، تفتقر بلدية الرويبة، إحدى أغنى بلديات شرق العاصمة، لفضاءات الراحة من مساحات خضراء وحدائق عمومية، الأمر الذي يشتكي منه سكان المنطقة، الذين أرجعوا ذلك إلى لامبالاة المسؤولين المحليين الذين لم يستجيبوا لمطالبهم المستمرة الخاصة بتوفير فضاءات الراحة، والدليل-حسبهم- هو زحف الأسمنت على مزيد من الفضاءات الخضراء، والإهمال الذي طال إحدى أهم الحدائق العمومية على مستوى العاصمة، والمتواجدة بقلب مدينة الرويبة، حيث تعتبر تحفة طبيعية تتربع على مساحة لا تقل عن خمسة هكتارات، ومصنفة كثاني أكبر حديقة عمومية فوق تراب العاصمة، بعد حديقة التجارب بالحامة. وحسب السكان الأصليين، فإن الحديقة التي أوصدت أبوابها منذ سنوات، كانت تشكل رئة المدينة ومتنفسا حقيقيا لشباب المنطقة، لتوفرها على ميدانين للتنس، فضلا عن طابعها الجمالي، إلا أن وضعيتها تدهورت ولم تعد ذلك الفضاء الأخضر الذي يهواه سكان الرويبة، خاصة الشباب الذين أصبحت المقاهي ملجأهم، كما وجد المسنون ضالتهم في المساجد التي يلتقون بها، في غياب العدد الكافي من المساحات الخضراء التي تخلصهم من ضوضاء المدينة، الأمر الذي يرجعه المسؤولون المحليون إلى نقص الوعاء العقاري. كما لا يختلف الوضع في بلديات عديدة منها؛ باب الوادي، دالي إبراهيم أو الكاليتوس التي لا يجد سكانها الفضاء المناسب من أجل راحة أبنائهم، حيث يلجأ أغلبهم إلى الطرق والساحات العمومية من أجل اللعب، الأمر الذي يعرضهم للمخاطر. البلديات مطالبة بتحديد احتياجاتها من الفضاءات وفي هذا السياق، أشار رئيس المجمع الوطني للمهندسين المعماريين، السيد عبد الحميد بوداود ل''المساء''، أن العاصمة تشهد نقصا فادحا في فضاءات اللعب والترفيه، وذلك في الوقت الذي تبقى بعض الأراضي غير مستغلة، منها المساحات المسترجعة بعد هدم العمارات القديمة، والتي يمكنها-حسب المتحدث- احتضان الفضاءات والمساحات الخضراء التي تعتبر جد ضرورية، موضحا أن المواطن الجزائري يستفيد من 5,0 إلى متر مربع فقط من المساحات الخضراء، وهذا رغم أن المقياس العالمي المعمول به في مجال تحديد هذا النوع من الفضاءات يقدر بعشرة أمتار مربعة إلى20 مترا، في حين أن الفرد الواحد في تونس يتمتع ب 12مترا مربعا، والذي سيصل إلى15مترا مربعا. وقد أرجع المتحدث نقص فضاءات اللعب والترفيه وحرمان شريحة واسعة من المواطنين من حقهم فيها، إلى عدم إحصاء البلديات لاحتياجاتها في هذا المجال، عدم تحديد استراتيجية قصيرة، متوسطة وطويلة المدى، وعدم إشراك المواطن في إعدادها، فضلا عن غياب جسر بين المسؤولين المحليين والمواطن لمعرفة انشغالاته الحقيقية. وفي سياق متصل، ذكر السيد بوداود أن ولاية الجزائر تضم 600 حديقة فقط، مقابل ثلاثة ملايين ونصف ساكن، مشيرا إلى أن تنظيم نشاط هذه الحدائق ووضع خريطة خاصة بها، مع إعداد برنامج لعطلة نهاية الأسبوع، سيحدّ من العجز ويجد العاصميون بذلك ضالتهم، حيث بإمكانهم اختيار بعض الأماكن من أجل راحتهم وراحة أبنائهم، وقد عرج المختص في الهندسة المعمارية على بعض الحدائق التي فقدت مكانتها، على غرار حديقة ''الأقواس'' بالقبة، وحديقة ''الحرية'' بسيدي امحمد، التي تعتبر من أقدم المساحات الخضراء بالعاصمة، بينما تبقى حديقة ''الحامة'' الفضاء الأكثر استقطابا للعائلات العاصمية نظرا لموقعها الاستراتيجي، وقد أشار المتحدث إلى ضرورة وضع كل بلدية خريطة خاصة بالفضاءات التي يجب أن تشملها، سواء لفائدة الأطفال أو المسنين، مثلما هو حاصل عند جيراننا قائلا: ''لا زلنا بعيدين وليس لدينا ثقافة في هذا المجال''. ولم يفوت المتحدث الفرصة دون الإشارة إلى إنجاز بعض فضاءات اللعب بالأحياء الجديدة، دون إعداد دراسة سابقة، من أجل إحداث توازن في توزيع هذا الحق الذي يطالب به سكان العاصمة، للحد من الآفات الاجتماعية والاعتداءات بالأحياء وتمكين الشباب من إخراج طاقته. برنامج ولائي لتقليص العجز من جهته، اعترف رئيس لجنة الشبيبة والرياضة بالمجلس الشعبي الولائي لولاية الجزائر، السيد يحي نصال، بوجود نقص في هذا المجال، وأكد على استفادة عدة بلديات من مشاريع في إطار ميزانية ,2012 منها إنجاز ملعب ببراقي بسعة 40 ألف مقعد، ملعب مماثل بالدويرة، وملعب الدرارية المهيأ بالعشب الاصطناعي الذي يوجد في طريق الإنجاز، كما استفادت عدة بلديات منها؛ بلدية الكاليتوس، من قاعة متعددة الرياضات، إنجاز دار للشباب بحي الرايس بسيدي موسى، كما تجري أشغال قاعة متعددة الرياضات، مضمار لألعاب القوى على مستوى برج الكيفان، وبيت للشباب ببلدية الرويبة بطاقة 50 سريرا، فضلا عن برنامج لتهيئة كل الملاعب الجوارية بالعشب الاصطناعي وترميم كل الهياكل الرياضية وتأثيثها مثل دور الشباب. وفي سياق متصل، أوضح المتحدث في لقاء خص به''المساء''، إلى أن الاهتمام منصب أيضا على البلديات والأحياء النائية مثل؛ الرحمانية، السويدانية، خرايسية، بابا حسن، تسالة المرجة، أولاد شبل وهراوة، من خلال توفير هياكل للشباب وإحداث توازن بين البلديات الحضرية والريفية، مشيرا إلى أن والي ولاية الجزائر أصدر مؤخرا تعليمة تؤكد أن الأحياء الجديدة المتواجدة بكل من بئر توتة، عين البنيان والدرارية، يجب أن تكون متبوعة بمرافق للشباب وفضاءات للترفيه، وهي الإستراتيجية التي تطبق حاليا -كما قال- في الميدان، حتى لا يكون الشباب عرضة للآفات الاجتماعية. وفي هذا الإطار، خص السيد نصال بالذكر أن المركب الرياضي للفرق الوطنية الذي يجري إنجازه ببلدية سويدانية، هو قطب رياضي هام بهذه البلدية النائية، حيث يضم 4 آلاف سرير لإقامة الضيوف، قاعة اجتماعات، مطعما ومسبحا شبه أولمبي، قاعة متعددة الرياضات وأخرى متخصصة، حيث عرفت أشغال الإنجاز تقدما كبيرا، في انتظار التسليم في الأشهر المقبلة. أما بالدائرة الإدارية للشراقة، فيجري إنجاز قاعة متعددة الرياضات بأولاد فايت ب 500 مقعد من طرف مديرية الشبيبة والرياضة، تحتوي على طابقين؛ أحدهما يضم قاعة متخصصة، ملعب المحمدية الذي أعيدت تهيئته بالعشب الاصطناعي وبمعايير دولية، ملعب بن رحمون بعين البنيان الذي تجري أشغاله لاستقبال ثلاث أندية، فضلا عن إنجاز مرافق بالدائرة الإدارية لبئر توتة، منها إنجاز قاعة متعددة الرياضات في أولاد اشبل بسعة 500 مقعد، تحتوي على طابقين، ومجهزة بجميع المرافق الضرورية، تنتهي أشغالها بعد عشرة أشهر. وعلى مستوى الدائرة الإدارية لبئر مراد رايس، سيتم وضع العشب الاصطناعي للملعب البلدي لجسر قسنطينة، وقاعة متعددة الخدمات ببلدية بئر خادم، انتهت الأشغال بها بعد أن تأخرت كثيرا، بسبب توقفها منذ ,1992 في انتظار استلامها قريبا. وبخصوص مشروع شاطىء الرمال''السابلات'' ببلدية حسين داي، الذي يمتد لعدة كيلومترات، كان قد اُقترح منذ سنوات ليكون حلا لسد هذا النقص وتمكين الشباب من الترويح عن النفس، كونه يتوفر على مقومات مثالية لإنجاز عدد هائل من الملاعب الجوارية ومساحات اللعب والترفيه، أشار المتحدث إلى أن المشرع مازال مطروحا، في انتظار تجسيده ميدانيا.