يعترف الأئمة والمرشدون بفراغ أصبح يطبع الخطاب المسجدي، لاسيما ذلك الموجه للشباب، في وقت يعيش فيه هذا الأخير العديد من المشاكل. فهذا الاعتراف ليس بغريب إذا ما رجعنا إلى الواقع، حيث تكثر الآفات ويغرق الشباب الجزائري في دوامة متعددة الأسباب والعواقب. وكان تنظيم مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لندوة حول ''مشكلات الشباب وحلها في الإسلام''، فرصة للحديث عن دور الأئمة والعلماء في معالجة مثل هذه المشاكل، دور لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب باعتراف أصحاب الشأن. وأحيانا، يعود ذلك بكل بساطة إلى عدم إدراك خطورة الوضع لدى البعض، وهو ما أشار إليه الشيخ جمال حمال الذي قال إنه استصغر أمر المحاضرة الذي كان يحضر لها، بالنظر إلى المواضيع العقائدية الهامة التي تعوّد البحث فيها. لكنه سرعان ما اكتشف أهمية الموضوع. مثل هذا القول، قد يحتار له الكثيرون، لأنه يوحي بوجود هوة بين العلماء والواقع اليومي الذي يعيشه المواطن. فعدم إدراك أهمية موضوع مثل ''مشكلات الشباب'' في زمننا الصعب يطرح تساؤلات موضوعية. والحقيقة أن تدخلات كل الأئمة، خلال الندوة المنظمة مؤخرا، لم تخل من ''لوم الذات''، محاسبتها والاعتراف بالنقص الذاتي، وبعيوب كثيرة في الخطاب الديني الحالي. فالشيخ محمد مكركب، الذي ألف الكثير من الجزائريين دروسه الدينية القيمة في وسائل الإعلام، لم يتردد في القول بأن الخطاب المسجدي لم يتجدد منذ قرابة عشر سنوات، معتبرا أن بناء أجيال تفكر تفكيرا سليما لايمكن أن يتم عبر الاكتفاء بالقول؛ ''عليكم بكذا وكذا، وإنما أن نبين لهم الطريقة التي تمكنهم من إدراك كيفية الخروج من دائرة الشقاء والضيق''. فالشاب عندما يأتي إلى الإمام ليطرح عليه مشاكله المتعددة؛ مثل البطالة، يقول له: ''أعطني الحل التطبيقي''، كما يشير الشيخ، وهو لذلك لايقتنع بالاستماع إلى سرد نظري لما تحمله شريعتنا الإسلامية من أحكام. وما يغيب، حسب المتحدث، هو الخطاب المبني على أسس علمية، الذي ينبع من دراسات ويتم ضمن برمجة منطقية، تتم بالتدرج، ويكون لها هدف محدد. وبالنسبة للشباب، فإن الهدف من الدروس الدينية -حسبه- هو ''أن ندرب الشاب كإنسان يعيش في الأرض، نعلمه كيف يعيش فيها محتفظا بهويته ومبادئه أينما حل وارتحل في أي مكان في العالم''، معبرا عن اقتناعه بأن كل الحلول اللازمة لمشاكل الشباب موجودة في القرآن الكريم، لكن طريقة فهمها وتقديمها للشاب هي التي تحدد نجاح الخطاب المسجدي من فشله. فالشاب عليه أن يفهم ''حقيقة الحياة''، أي لماذا يعيش؟ وإذا كان فقيرا، كيف يفرض ذاته ووجوده؟ فمن الضروري أن نتساءل؛ لماذا يصل الشاب إلى الانتحار أو التنصر؟ ومن هنا إفهامه أهمية العقل على أساس أنه ''لاحياة لغير عاقل''. كما يرى أنه بقدر أهمية معرفة حقيقة الحياة، فإن الأهم كذلك معرفة مقوماتها، والقصد من ذلك، توضيح موقف الشاب في أي موقع له، سواء كان طالبا أو موظفا أو عاطلا عن العمل من الأشياء والظروف المحيطة به، لأننا بذلك سنقيه من الدخول في متاهات كثيرة ذات عواقب وخيمة. مثل هذه الملاحظات التي قدمها الشيخ مكركب، كانت في صلب الموضوع، لأنها بالفعل، أظهرت قصورا في الخطاب الديني الذي نشعر أحيانا أنه في واد، والواقع المعيش في واد آخر. فلغة الخشب أمر واقع باعتراف الأئمة الذين شاركوا في الندوة، والأدهى أن المحاضرة التي ألقاها الأستاذ والإمام جمال حمال، كانت الدليل على ذلك، وهو مالم تتردد المرشدة الدينية هدى العطار في الإشارة إليه، عندما قالت؛ إننا ألفنا تقديم ''محاضرات رنانة بعناوين فخمة، لكن المصداقية مفقودة''، متسائلة؛ ''لم نطيل في الحديث عن المشاكل المعروفة لدى الجميع، بينما المطلوب هو إعطاء الحلول''، بل أنها ذهبت بعيدا عندما أشارت إلى أن ''نصف المصلين ينامون في خطبة الجمعة''، بسبب لغة الخشب التي تقدم بها. وهو ماظهر كذلك في المحاضرة الملقاة خلال الندوة، والتي كان من المفروض أن تعطي حلولا لمشاكل الشباب، نابعة من الدين الاسلامي، حيث كانت حصة الأسد فيها، عبارة عن ''تعريف لمعنى الشاب''! وبقي الحضور يستمعون إلى التحولات الفيزيولوجية في جسد الشاب والشابة مدة تقارب العشرين دقيقة، بينما لم يأخذ محور ''الحلول'' إلا بضع دقائق، وفي الأخير، لم نخرج بأي جديد من تلك المحاضرة التي لم تعط أي حل واقعي، واكتفى صاحبها بالقول؛ إن الحل هو ''التعليم، العمل والتحصين''. مثل هذه الحلول العامة التي يعرفها الجميع، لم تعد تجد أي أثر لها في حياة اختلفت معطياتها، ولذا، فإن التساؤل كثر حول مدى نجاعة الخطاب الديني الذي أصبحت له منابر متعددة، في وقت تغرق فيه المجتمعات الإسلامية في آفات ومخاطر تهدد هويتها، بل ووجودها. إن اللغة البعيدة عن الواقع، الموظفة في الخطابات الدينية، أصبحت السبب المباشر في قول البعض؛ إن الإسلام عاجز عن حل المشاكل المعاصرة، كما أن حصر الإسلام في فترة معينة بعيدة جدا عن التي نعيشها، جعل الأغلبية تبحث عن الحلول في أفكار أخرى. والأكيد أنه بدون تجديد هذا الخطاب وتقريبه من الواقع والاجتهاد في إيجاد حلول مناسبة للعصر، فإنه سيبقى مجرد كلام تجاوزه الزمن، لاسيما وأن ماكينة الغرب بتكنولوجيته تسير بسرعة خيالية لاترحم. ولذا، فإن مهمة الأئمة تبدو محورية، ودورهم في تغيير الأمور هي مسألة وجود وليست مسألة وظيفة.