ها قد انتهت الحملة الانتخابية وتقرّب المترشحون من المواطنين لمدة ثلاثة أسابيع بمختلف ولايات الوطن، وعرفت الهيئة الناخبة على اختلاف توجهاتها وقناعاتها مستويات وأفكار وفلسفات المرشحين، ونقاط قوتهم أو قصورهم، وتركزت أحاديث الناس هذه الأيام على الأشخاص تارة وعلى البرامج والخطابات تارة أخرى، وعن العملية الانتخابية في حد ذاتها، ولمسوا أصداء ما تواجهه البلاد في هذا الظرف العصيب، وهي جزء لا يتجزأ من رقعة قارية وإقليمية شهدتْ تحولات سياسية واجتماعية جذرية في وقت قياسي. وإذا كان المواطنون يتطلعون إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية ورفاه اجتماعي واستقرار أمني فإنهم لن ينالوا ذلك عندما لا يفهم بعضهم الأوضاع الجيوسياسية وما تفرضه من تحديات، فينساقون وراء شرذمات تمتهن زارعة البلبلة وتتاجر بالذمم وتعيش على سحت الحروب، وقد عشنا نحن الجزائريون هذه الفترة في أوجّ ظلماتها وآلامها وبالتالي فحريّ بنا أن نكون حذرين إذ ''لا يلدغ المؤمن من الجحر الواحد مرتين". وبقدر ما ينتقد المواطنون وجود بعض النقائص وعدم بلوغ مستوى معينٍ من الرفاه الاجتماعي، بقدر ما يعترفون أن جزائر العشرية السوداء ليست جزائر اليوم، مهما غطوا الشمس بالغربال أو نظروا للغابة من وراء الشجرة، فالحقيقة الساطعة التي تتجلى في المشاريع المجسدة لن تخفيها أكاذيب الانتهازيين، وبالتالي فنحن لسنا في حاجة إلى من يشرّح لنا واقعنا الذي عشناه فعلاً وهم من وراء البحار والمحيطات، وقد علّمتنا الأيام العصيبة التي ما عاشها هؤلاء ''المتفيقهون والمتنطعون'' أن محك الأزمات يصنع الأمم والشعوب، ويغربل الغثّ من السمين، و''رُبّ ضارة نافعة'' كما يقول المثل العربي. وبالمختصر المفيد ستثبت الأيام أن الجزائريين كبار وليسوا قصّراً حتى عندما تمسهم نار الإشاعات المغرضة يزدادون لمعاناً وتألقاً ويؤكدون أنهم كبار عن عبثية أعداء الأمس واليوم، مهما كانت ألاعيبهم ومساوماتهم وإغراءاتهم.