تبلغ نسبة المسلمين في نيوزلندا قرابة الأربعين ألف نسمة، يتمتّعون بحرية دينية، يمنحها لهم القانون النيوزلندي، فهم يمارسون شعائرهم بحرية مطلقة دون أي مضايقات تذكر، كما يسمح القانون النيوزلندي للمرأة المسلمة أن تضع الحجاب على رأسها، والذي هو شعار إسلامها، وعندما يحين موعد التماس هلال رمضان، يخرج بعض المسلمين هناك إلى المرتفعات لمراقبة هلال رمضان، وإذا ما تحقّقوا من ثبوت هلال رمضان، نشروا خبر ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة. وحالما يتم الإعلان عن ثبوت الشهر الكريم، يهنئ المسلمون بعضهم بعضًا، ومن العبارات المتداولة بينهم في هذه المناسبة، قولهم؛ «مبارك عليكم الشهر» و«رمضان كريم»، يقولون تلك العبارات مع ما يرافق ذلك من علامات السرور والحبور التي تعلو وجوه المسلمين في تلك الديار، وقد فتحت عليهم هذه المناسبة الكثير من الذكريات. وعلى الرغم من أنّ النهار النيوزلندي في أيام الصيف يزيد طوله عن ست عشرة ساعة، فإنّ مظاهر البهجة وعلامات الفرحة بقدوم رمضان لهي أصدق دليل على عمق وترسخ الإسلام والإيمان في قلوب المسلمين في تلك الديار، وهي أوضح برهان على رفض الإباحية، الفجور والعصيان. ولا شك أنّ لشهر رمضان عند مسلمي نيوزلندا - كباقي ديار الإسلام - خصوصية ليست كغيره من الشهور؛ حيث تطرأ بعض التغيرات على حياة المسلمين اليومية، فتختلف أوقات طعامهم، نومهم واستيقاظهم، والمسلمون في تلك البلاد يحرصون كل الحرص على التمسك بتعاليم دينهم واتّباع هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ فالجميع هناك يحترمون حرمة هذا الشهر الفضيل، وقلما تجد من المسلمين من ينتهك حرمة هذا الشهر، سواء بالإفطار علانية أو بارتكاب المعاصي والمنكرات. كما أنّ شريحة الشباب هناك حريصة جدًا على الالتزام بآداب الإسلام، والعمل بأحكامه، على الأقل في هذا الشهر الفضيل، وهذا لا يمنع وجود بعض الشباب الذين أثّرت فيهم معالم الحضارة الجديدة، فنجدهم يمضون أوقاتهم هنا وهناك دون أن يستغلوا هذا الشهر الاستغلال المطلوب والمرجو، لكن مع ذلك نرى الجميع يراعي حرمة هذا الشهر، ويلتزمون بأداء واجباتهم فيه أشد الإلتزام. واقتداء بهدي سيد المرسلين، يحافظ المسلمون هناك على سنة السحور، فهم ينهضون من نومهم لتناول طعام السحور الذي يشتمل عادة على الحليب، الجبن، المربيات والبيض، وفي نيوزلندا تقام الصلوات الخمس، ويُنادى فيها لصلاة الجمعة كما يخطب لها بشكل دائم في المساجد، ومن أهم المساجد في نيوزلندا؛ مسجد «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه، ومسجد «مدرسة المدينة»، كما تعقد الندوات والمحاضرات الدينية لأبناء الجاليات الإسلامية بلغات مختلفة، وتنظم دورات العلم الشرعي وحلقات تعليم القرآن التي تعتمد في أغلبها على زيارة بعض العلماء والدعاة الوافدين من بلاد الحرمين الشريفين، مصر وغيرهما من بلاد الإسلام . صلاة التراويح تتمتع بحب عظيم واحترام كبير عند المسلمين هناك، وتشهد إقبالاً مشهودًا، وحضورًا مكثفًا؛ فبعد تناول طعام الإفطار يهرع الأطفال، الشباب، النساء والرجال إلى الجوامع والمساجد لأداء صلاة العشاء، ومن بعدها يستعد الجميع لأداء صلاة التراويح؛ حيث يصلي المسلمون في تلك البلاد النائية صلاة التراويح عشرين ركعة في أغلب المساجد، يقرأ فيها الإمام جزءًا كاملاً من القرآن الكريم. وعادة ما يتخلل صلاة التراويح درس ديني أو كلمة وعظ يلقيها بعض الضيوف العلماء الموفدين خصيصًا لهذه المناسبة. ومن الطُرف التي تُذكر في صلاة التراويح - كما روى لنا بعض من كان في تلك البلاد - أن بعض المصلين أدركه النعاس وهو في صلاة التراويح، وأخذ الشخير منه كل مأخذ، حتى غلب صوت شخيره صوت الإمام، الأمر الذي أفقد بعض المصلين خشوعهم، وخرج بهم عن حد السيطرة على أنفسهم، ولك أن تتصور باقي الموقف... ونظًرا لقصر الليل في تلك البلاد، فإنّ صلاة التراويح تنتهي وقد قاربت الساعة الثانية عشرة ليلاً، ولا يمنع هذا الأسر المسلمة من التزاور، الالتقاء والسهر إلى جزء من الليل، رغم ضيق الوقت، ولا يمنع ذلك أيضًا من شمر عن ساعد الجد لإحياء تلك الليالي الفضيلة بالتهجد وقراءة القرآن، خاصة ليالي العشر الأخير من رمضان، حيث يقوم الناس لرب العالمين حتى قبيل الفجر . ولا يخلو مسجد هناك من وجود معتكف عاكف على العبادة والطاعة، فبعض المسلمين في تلك الديار يغتنمون هذه الأيام والليالي في الخلوة والتفرّغ للطاعة، بعيدًا عن صخب الحياة ومشاغلها، وقد أعدت للمعتكفين في تلك المساجد أكشاكا صغيرة، يخلو فيها المعتكف مع ربه سبحانه، الأمر الذي يبعث على تغذية الروح، استشراف الرحمة، الخشوع في العبادة، التدبر في قراءة القرآن، والتفكر في خلق الله. الإفطار الجماعي في بلاد الغربة له نكهته ودلالته الخاصة هناك، حيث يلتقي الجميع على مائدة واحدة، تجسّد لهم كل معاني الوحدة والالتئام، وتبعد عنهم ألم الغربة ووحشة البعد والفراق. ويتعارف الجميع فيتبادلون مشاعر الأخوة والمحبة، يتسابقون في طاعة الله، ويعيشون أجواء إسلامية ترسخ المعاني الإسلامية في أذهان الصغار قبل الكبار. ويكون الإفطار الجماعي عادة في المساجد طيلة أيام الشهر الكريم، حيث يتولى المحسنون ترتيبها وتمويلها، كما تنظم بعض الجمعيات الإسلامية الإفطار الجماعي باستئجار قاعات خاصة تدعو المسلمين للحضور إليها، فتُحضر كل أسرة ما تيسر لها من الطعام أو الحلويات للمشاركة، التعارف والتقارب. وتخفض بعض المحلات التجارية الإسلامية قيمة بعض المواد التي تُستخدم في صنع الحلوى لرمضان والعيد إكرامًا لهذا الشهر الكريم. كما تنظم هناك بعض الجمعيات سوقًا خيرية خلال شهر رمضان، يعرض فيها المسلمون بضائعهم، وتمثل تلك السوق فرصة مناسبة للمسلمين للتسوق في سوق إسلامية تحوي الكثير من متطلبات المسلمين من الجلابيب، الملابس الساترة، المأكولات وغير ذلك من الحاجات. وكما يحرص المسلمون المقيمون في نيوزلندا على الالتزام بآداب الصيام والعمل بأحكام الإسلام، فكذلك يسارعون في إخراج صدقات أموالهم، وزكوات فطرهم، ويوزعونها على المستحقين من الفقراء والمساكين إن وجدوا، وإلا بعثوا بها إلى بلادهم الأصلية، وهم يتولون أمر ذلك بأنفسهم، إذ لا توجد جهات مختصة تتولى أمر جمع الصدقات وتوزيعها. عندما يغادر شهر رمضان ببركاته ونفحاته الإيمانية، يأتي العيد بأشواقه وأفراحه، ولصلاة العيد مكانتها وبهجتها في غير بلاد المسلمين، فهي فرحة العيد، مع تجمع المسلمين، و الوسيلة الرئيسة لتعارف المسلمين، وتبادل التهاني والأماني فيما بينهم، حيث يجتمع المسلمون في مصلى العيد وأصواتهم تعلو بقول: الله أكبر الله أكبر، وقد أشرقت وجوه الجميع، فتقام صلاة العيد، وبعدها الخطبة، ثم يسلم الجميع بعضهم على بعض ويتعارفون ويتآلفون في منظر بديع، يجمع المسلمين من جنسيات مختلفة، ومن بقاع شتى من العالم الإسلامي.