تحركت الآلة الدبلوماسية الدولية من جديد في عواصم دول الجوار السوري في محاولة لإيجاد مخرج للازمة الأمنية المستفحلة في هذا البلد بعد سبعة عشر شهرا من اقتتال تجاوزت حصيلة ضحاياه أكثر من 20 ألف قتيل. وفي تحرك إيراني مفاجئ حل أمس سعيد جليلي الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني بالعاصمة السورية حيث التقى بالرئيس بشار الأسد كمبعوث خاص لمرشد الثورة الإيرانية علي خامينائي. وإذا كانت زيارة جليلي إلى دمشق ولقائه بالرئيس الأسد الذي ظهر لأول مرة للعلن منذ 22 جويلية الماضي جاءت ظاهريا ضمن مساعي إيران لإطلاق سراح 48 إيرانيا من طرف المعارضة السورية المسلحة فإنها تأتي في حقيقتها على خلفية الضغوط التي يتعرض لها النظام السوري وأيضا في سياق تحديد الدور الإيراني لإنقاذ أكبر حليف له في المنطقة العربية. وقال جليلي بعد لقائه بالرئيس الأسد أن بلاده لن تسمح أبدا بكسر محور المقاومة التي تشكل سوريا حجر زاويته في إشارة إلى محور طهراندمشق وحزب الله اللبناني. وهو ما أشار إليه الرئيس الأسد ضمنيا عندما أكد من جهته أمس إصراره على سحق حركة التمرد ضد نظامه وبقناعة أن الشعب والحكومة السورية عازمان على تطهير البلاد من الإرهابيين ومحاربتهم دون هوادة. وهي الرغبة التي تسعى إيران التأكيد عليها عشية احتضان العاصمة طهران للقاء تشاوري للدول التي لها "موقف واقعي" من الأحداث الجارية في سوريا ضمن تحركات تسعى طهران من خلالها إلى تشكيل جبهة معارضة لأي تدخل عسكري ضد حليفها السوري. ويبدو أن السلطات الإيرانية تريد إلقاء ثقلها في المعادلة السورية وأن تكون لاعبا محوريا في أية ترتيبات خاصة بإنهائها وهو ما جعلها توفد وزيرها للخارجية علي اكبر صالحي إلى تركيا للقاء نظيره التركي داوود اوغلو لبحث تداعيات الأزمة في سوريا. وتأتي هذه التحركات بعد أن أصبحت تركيا حجر الزاوية في كل الاتصالات الخاصة بالأزمة السورية حيث تحولت إلى قبلة لتحركات دبلوماسية مكثفة وخاصة منذ إعلان كوفي عنان المبعوث الدولي المشترك فشل مهمة الوساطة التي شرع فيها لإيجاد حل سياسي لازمة تحولت إلى مأزق امني. ويأتي التحرك الدبلوماسي الإيراني ثلاثة أيام فقط قبل الزيارة التي تعتزم وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون القيام بها إلى اسطنبول التركية حيث ينتظر أن تلتقي بالوزير الأول طيب رجب اردوغان لبحث الأزمة السورية على ضوء التطورات الأخيرة وخاصة منذ الإقرار بفشل مهمة كوفي عنان. ويبدو أن فرنسا لا تريد ترك المجال مفتوحا فقط للدبلوماسية الأمريكية وهو ما جعل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يسارع هو من جهته إلى إيفاد وزيره للخارجية لوران فابيوس إلى المنطقة من خلال جولة تشمل يومي 15و17 من الشهر الجاري الأردن ولبنان وتركيا وهي كلها من دول الجوار السوري ولها علاقة مباشرة بتداعيات ما يجري في جارتهم. وإذا كانت زيارة فابيوس تحمل في ظاهرها أيضا وجها إنسانيا على خلفية إيواء الدول الثلاثة لآلاف اللاجئين السوريين فإنها في الواقع تهدف إلى استشعار باريس لمواقف سلطات هذه البلدان قبل أية عملية عسكرية ضد النظام السوري في حالة تم اللجوء إلى هذا الخيار.