يستعد المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي (الكناس) لإعداد مذكرة شاملة حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن للجزائر وسط التحديات الإقليمية والدولية التي ألقت بظلالها على التنمية في بلادنا، ومن المنتظر أن تعتمد الحكومة الجديدة كثيرا على إسهامات وتقارير المجلس في هذا الشأن وجعلها دليلا يعتمد عليه لتسطير السياسات وأخذ القرارات طبقا لما جاء به برنامج رئيس الجمهورية لسنة 2009 والذي أكد فيه على أهمية آراء وإسهامات المجلس للدفع بعجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام. ويضاف هذا التقرير الذي سيتم رفعه في شكل مذكرة لرئاسة الجمهورية والذي يجري إعداده من قبل خبراء المجلس إلى جملة من النشاطات الهامة التي سطرها المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي خلال الفترة الممتدة إلى غاية نهاية السنة الجارية وبداية العام المقبل منها لقاءات وورشات رفيعة المستوى ستخصص لمناقشة مستقبل المنظمات الاقتصادية والاجتماعية الدولية والتحديات التي تواجهها على اعتبار أن محمد الصغير باباس هو الرئيس الحالي للمنظمة، إضافة إلى التحضير لعقد المنتدى العالمي الاقتصادي والاجتماعي بحضور الخبير الاقتصادي العالمي سمير أمين. ويشير خبراء من الكناس إلى أن الجزائر قطعت لسنوات أشواطا من الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وجنت من وراء ذلك العديد من المكاسب ساهمت إلى حد بعيد في إعادة التوازنات الكلية وتحرير الاقتصاد وانعكست بالإيجاب على الناتج الداخلي الإجمالي وعلى تطوير القطاع الخاص وعلى تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، إضافة إلى مكاسب أخرى متعددة كتقليص معدل البطالة، وتحسين مستوى الدخل، غير أن ذلك لا ينفي تسجيل معوقات حالت دون انطلاق التنمية المستدامة. وتشير المؤشرات الرئيسية اليوم إلى تسجيل تقدم معتبر في شتى المجالات ونتائجها الإيجابية المختلفة بارزة على مستوى المجموعة الوطنية بمكوناتها المتعددة، فبعد خمسين سنة من استرجاع السيادة الوطنية توجد جميع المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية تقريبا في مستوى إيجابي، لاسيما من خلال وفرة مالية مريحة وتحسن ملموس للتغطية الاجتماعية، مما جعل جزائر الألفية الثالثة متميزة بالورشات الكبرى ورفع التحديات الاقتصادية العظمى من خلال برنامج خماسي للتنمية بغلاف مالي يقدر ب 286 مليار دولار في ظل سياسة اجتماعية تسعى لتحسين الظروف المعيشية للجزائريين. وتركز مختلف السياسات المنتهجة حاليا من قبل الحكومات المتتالية على نوعية حياة الجزائريين وتمكينهم من استفادة أفضل من الخدمات الاجتماعية وتحسين المؤشرات الاستهلاكية، علما أن الجزائر تعد في ظل الظرف الاقتصادي الدولي الحالي المتأثر بأزمات مرحلية من بين البلدان الأكثر وفرة مالية على المستوى الدولي. وستستعين مذكرة الكناس الخاصة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا بجملة من الدلائل والتقارير الدولية الهامة على غرار ما أكده خبراء صندوق النقد الدولي الذين يعتبرون الجزائر من بين البلدان الأكثر راحة ماليا في العالم باحتياطي صرف مرتقب يفوق 200 مليار دولار مع نهاية سنة 2012 وهي الحالة المالية الجيدة التي شجعت مسؤولي صندوق النقد الدولي على اللجوء للسلطات الجزائرية من أجل المساهمة في إعادة تعزيز احتياطيات الصندوق. وكان البنك العالمي قد راهن في تقريره الأخير حول الآفاق الاقتصادية العالمية على نمو بنسبة 2,6 بالمائة للجزائر سنة 2012 والذي سيتعزز ليبلغ 3,2 بالمائة سنة 2013 و3,6 بالمائة سنة 2014 في حين ذهبت تقديرات البنك العالمي لسنة 2012 إلى ما دون التوقعات التي حددها صندوق النقد الدولي، الذي يتوقع أن يحقق البلد نموا ب 3,1 بالمائة، لكنهما يتفقان تماما بالنسبة لسنة 2013 بما أن الصندوق يرى أن نمو الناتج الداخلي الخام للجزائر سيبلغ 3.4 بالمائة. ويشير البنك العالمي كذلك إلى أن ميزان الحسابات الجارية للجزائر سيظل ايجابيا ليمثل نسبة 12,7 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2012 و9,8 بالمائة سنة 2013 و7,6 بالمائة سنة 2014. وقد بلغ احتياطي صرف الجزائر في نهاية سنة 2011 ما مجموعه 182,22 مليار دولار (38 شهرا من الواردات) وتم تقليص الدين الخارجي إلى 4,4 مليار دولار فيما بلغ النمو 2,4 بالمائة و5,2 بالمائة خارج المحروقات. أما على الصعيد الداخلي فإن جميع الجهود قد وجهت نحو تحسين ظروف معيشة الجزائريين كالتربية والصحة والخدمات الاجتماعية الأساسية والنقل والطرق والمياه الصالحة للشرب، وتنصب كل هذه المجهودات في صالح الشعب الجزائري الذي تم تحديد احتياجاته بوضوح كتحسين الاستفادة من الخدمات الاجتماعية الأساسية ونوعية الحياة واستعمال الوسائل الحديثة والمعاصرة في الحياة اليومية إلا أن التقرير سيسلط الضوء لا محالة على بعض النقائص والنقاط السلبية التي لمسها المجلس خلال استطلاعاته الميدانية والمتعلقة خصوصا بالتشغيل والسكن والصحة والتعليم.