صناعة الكتاب في الجزائر وإن عرفت انتعاشا في مناسبتين كبيرتين، «الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007، وتلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011 الى ربيع 2012 وأن عناوين كثيرة صدرت ودور نشر كثيرة ظهرت الى سوق الكتاب والطبع، فإن العلاقة بين القارئ والكتاب والمنتج ما تزال علاقة فاترة في حاجة الى قفزة نوعية لتعطيها التدفق والانطلاق. الصالون الدولي السابع عشر للكتاب لا تفصلنا عن انطلاقه إلا ساعات قليلة وينفتح هذا السوق لجمهور القراء المتعطشين للجديد من الكتب التي صدرت هذه السنة وقبلها وبمشاركة دور نشر قياسية عن العام الماضي حيث تجاوزت الثلاثمائة دار نشر، وكل دار من الدور المشاركة لا يمكنها إلا تقديم اجود العناوين من الكتب التي تقترحها على القارئ الجزائري من علمية وأدبية وسياسية وتاريخية ودينية ومدرسية وجامعية. دور النشر الجزائرية، الكبيرة التي أصبحت لها تقاليدها وجمهورها واختصاصها من خلال المواضيع التي تقترحها على القارئ، خصوصا تلك المواضيع التي تتعلق بالتاريخ والكفاح المسلح، وكذا المذكرات التي عرفت اقبالا كبيرا من الجمهور وأثارت نقاشا وحوارا متعددا مما أثرى الساحة الثقافية وحرك دوالب الرأي التي كانت في السابق لا تخرج عن الجملة المقيدة، وكما صنعت المذكرات الخاصة الحدث والحديث منذ أن دخلت الجزائر التعددية السياسية، حتى وإن تميزت المذكرات بوجهات نظر أصحابها التي هي في ذاتها «أنا المؤلف» والتي لا يمكنها أن تتجرد من بناء تاريخ ذاتي لصاحب هذه المذكرة وتلك، فإنها رغم ذلك سلطت الضوء على كثير من المناطق التي كانت من المحرمات التي لا يجب كشفها او الحومان حولها، وهذه الكتابات سواء باللغة العربية أو الفرنسية جلبت لها جمهورا واصبحت تقليدا مع كل موسم ثقافي من خلال سوق الكتاب، والذي يتسم هذه السنة بأنه سوق نصف قرن من الاستقلال والذي اختير له شعار «كتابي حريتي». كثيرا من الكتاب ينحون باللائمة على القارئ وكأنه لا يعرف ماذا يختار لغذائه الفكري، فنجد دور النشر والكتاب يشنون حربا على الكتاب الديني أو ما تفننوا في اطلاق تسميتها بالكتب الصفراء، وكلما اتسع انتقادهم للكتاب الديني كلما زاد هذا الأخير رواجا وإقبالا من قبل القراء حتى ولو كان هذا الكتاب يكرر موضوعات قديمة ويجددها من حيث الشكل لا من حيث المضمون مثل «تفسير الأحلام لابن سرين» وكتب الفقه والأدعية وغيرها من الكتب الدينية التي تقبل عليها شريحة واسعة من القراء، بينما نجد الجانب لآخر والذي ينتقد هذه الكتب لا يستطيع بيع اربعمائة نسخة من رواية إن كان روائيا، خصوصا وأن معظم المنتقدين هم كتاب الرواية. والسؤال الذي يبقى مطروحا لماذا تبقى العلاقة فاترة بين القارئ وكتاب الرواية؟ ثم من يصنع الآخر هل القارئ هو الذي يملي على الكاتب الموضوع الذي يريده، أم الكاتب هو الذي يقترح على القارئ الموضوع الذي يريده ويؤمن به؟ هل هناك صلة بين الكاتب والمجتمع، أم أن هذا الأخير يكتب لشريحة معينة من القراء تتفق معه في الخط الإيديولوجي الذي ينتهجه في كتابته، ولهذا عدد قراء انتاجه الأدبي لا يتجاوز 400 قارئ هذا باعتراف كتاب الرواية عندنا، أما الشعر ودواوينه فقد تراجع ولم يعد يحتل صدارة الكتب الأدبية بعد أن غاب رواد الفن من الشعراء الكبار عن الساحة الأدبية والذين كانوا ينظمون أمسياتهم الشعرية في ملاعب كرة القدم ليلبوا رغبات جمهورهم. البعض من ناشرى ومنتجي الكتاب، يضعون اللائمة على التوزيع وأن الكتاب لم يصل الى الأماكن التي يجب أن يصل إليها، فيرون أن القضية ليست في المقروئية وانما في توصيل الكتاب الى القارئ، ولهذا هم يدعون الى توزيع الكتاب وانشاء اسواق له في المدن الكبرى في بلادنا حتى يجد القارئ رغبته وانتقاء ما يريده من الكتب. في اعتقادي أن الصالون السابع عشر للكتاب هذه السنة سيكون الحظ فيه لنوعين من الكتاب؛ الكتاب الديني في الدرجة الأولى، وهذا يعود للضجة التي أحدثها الفيلم المسيئ للرسول، مما يجعل الإقبال على الكتب الدينية كبيرا، خصوصا السيرة النبوية الشريفة، والنوع الثاني المذكرات التاريخية، لأننا نعيش مرحلة تاريخية انتقالية ولا يمكن استبيانها الا من خلال الوقوف عند الكثير من الإشارات المرورية اليها، وتبقى الكتابة الروائية والقصة والشعر تراوح مكانها باعتبارها بعيدة عن المجتمع وتحاول أن يؤدلجه في اثواب يسارية غربية غريبة، او تحاول أن تقيسه بهذه القوالب الإيديولوجية الغربية التي يجدها بعيدة عن افكاره وعن ثقافته، وهكذا يبقى معظم كتاب الرواية في ابراجهم الإيديولوجية يكتبون لأنفسهم ولشريحة قليلة تؤمن تأويلاتهم وأساليبهم في الكتابة سواء كانت بالعربية او كانت باللغة الفرنسية، وإن كانت بهذه الأخيرة اوسع مقروئية لإنتاجهم لأنها تصور مجتمعاتهم بألوان غير صحيحة وتقدمها للغرب ومن أهمها المرأة، الجنس الحريم وهكذا دواليك. نحن في حاجة الى كتاب وطني يبحث عن الخلل الواقع بين القارئ ومنتج الكتاب ويطرحه طرحا ثقافيا اجتماعيا جزائريا محضا وليس مقايسة بما هو في الغرب. هناك فجوة كبيرة بين القارئ ومنتج الكتاب وصانعه، وليس المشكلة في التوزيع فقط، بل ايضا في الاساليب التي يتناول بها الكاتب مجتمعه. نحن في حاجة ليس لصالون دولي للكتاب في كل خريف، وإنما نحن بحاجة الى سوق للكتاب دائمة مثلها مثل أي مركز تجاري كبير حتى يمكننا أن نلبي حاجة القارئ ونوسع دائرة المقروئية ونخرجها من ثقافة الأكلات السريعة والمطابخ والحملات التي نشنها على الكتاب الديني الذي يتناول الناحيتين في الإنسان الجزائري الناحية الحياتية المعيشية من خلال تعامله وسلوكاته اليومية، وكذا الحياة الأخروية التي تكتمل بالأولى وتتناغم وتنسجم معها. ومن هنا يجب أن نصنع القارئ مثلما نصنع الكتاب ونروّج له وندع هذا القارئ من خلال العناوين الكثيرة والمتنوعة يختار بكل حرية كتابه.