أبرز مؤرخون ومجاهدون وقدماء مناضلي الحركة الوطنية أمس السبت بالجزائر العاصمة أن نشأة المجلس التأسيسي يوم 29 سبتمبر 1962 ميّزها صراع سياسي كبير عكس الخلافات العميقة التي كانت سائدة في تلك الفترة على مستوى مختلف مناصب المسؤولية السياسية والعسكرية في هرم السلطة، منوّهين في ذلك بخصال ومناقب المجاهد ورئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة الفقيد فرحات عبّاس الذي تولى رئاسة هذا المجلس. وأكد أكاديميون على غرار الأستاذ عامر رخيلة أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة الجزائر في ندوة تاريخية احتضنها منتدى "المجاهد" حول الذكرى ال50 لتكوين المجلس التأسيسي تكريماً لروح المجاهد فرحات عبّاس بحضور رفاق درب الفقيد، أن فترة إنشاء المجلس التأسيسي تخللتها صراعات سياسية حادة بين الأعضاء الفاعلين داخل جسم الحركة الوطنية ما أدى إلى عرقلة مسيرتها الإصلاحية وانحراف الكثير من تشكيلات هذه الحركة عن نهجها السياسي الذي أنشأت من أجله. وأوضح الأستاذ رخيلة في هذا الشأن أن الواقع السياسي في تلك الفترة كان من بين الدوافع التي استدعت فكرة إنشاء المجلس التأسيسي لإدارة الفترة الانتقالية لما بعد الاستقلال وإعداد مشروع الدستور، معتبراً أن هذه المسؤولية لم تكن سهلة بالنظر للخلافات العميقة بين تنظيم جبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة خاصة فيما تعلّق بانتخاب هيئة تتمتع بصلاحيات تشريعية وبنظام داخلي لا يحدد مدتها الزمنية. وأضاف المتحدث أن انتخاب أعضاء هذا المجلس والبالغ عددهم 196 عضواً وإعداد وثيقة الدستور وعرضها على المجلس التأسيسي دون مناقشة دفع رئيس المجلس الفقيد فرحات عباس إلى تقديم استقالته إحتجاجاً منه على عدم احترام الاجراءات القانونية والتنظيمية المعمول بها في مثل هذه الحالات. وبدوره، أكد المجاهد عمار بن تومي "أحد أعضاء الحكومة المؤقتة" أن الإخلال بالقواعد القانونية المنصوص عليها في إنشاء المجلس التأسيسي وعدم التقيد بالمهمة التي أنشئ من أجلها وهي وضع دستور للبلاد عجّل في تأجيج الأزمة بين المجلس بقيادة فرحات عباس وأعضاء الحكومة المؤقتة. معتبراً أن تقزيم صلاحيات المجلس وتقييد مسؤوليات رئيسه دفع بفرحات عباس إلى الاستقلالة الفورية ووضعه تحت الإقامة الجبرية فيما بعد. ومن جهة أخرى نوّه بعض رفاق الفقيد في مداخلتهم بالتضحيات الجسام التي قدّمها هذا الأخير في سبيل لم شمل صفوف الحركة الوطنية وإرساء ثقافة التسامح بين مختلف التيارات السياسية رغم الصعوبات التي كانت تعترض فترة ما قبل الثورة المسلحة، مرجعين ذلك إلى الحنكة السياسية التي كان يتمتع بها المناضل رغم حداثة سنه. مؤكدين أن فرحات عبّاس كان يتميّز بانفتاحه السياسي والفكري إلى أقصى حد مما جعله يتحول خلال حياته السياسية التي تمتد على أكثر من 30 سنة من فكرة الاندماج إلى فكرة الاستقلال ومن النهج الإصلاحي إلى الكفاح الثوري المسلح، معتبراً أن هذا الانفتاح المتميّز يعود لتشبّع الفقيد بالروح الوطنية بعد تشبعه في سن مبكرة بالنشاط السياسي. وللإشارة، يندرج تنظيم هذه الندوة التاريخية في إطار الاحتفالات المخلدة للذكرى ال50 لاسترجاع السيادة الوطنية بمناسبة الذكرى ال50 لتأسيس المجلس التأسيسي المصادفة ليوم 29 سبتمبر 1962، بمبادرة جريدة المجاهد بالتنسيق مع جمعية مشعل الشهيد.