انغرست ذكريات الطفولة في ذهن الفنانة التشكيلية جهيدة هوادف فقامت بترجمتها فنيا في فترة الشباب، وكانت النتيجة لوحات كثيرة جاءت بألوان عديدة ولمّاعة تنبثق منها شخصيات خيالية تنظر بأعين محدقة ناطقة، ولم يشذ المعرض الجديد الذي ستقيمه الفنانة في متحف زبانة بوهران في الفترة الممتدة من 22 اكتوبر إلى 6 نوفمبر عن هذه القاعدة، فكان هو الآخر عن نقاوس (باتنة) التي تنحدر منها الفنانة، إلا أنه حمل خاصية تتمثل في تكريم النساء النقاوسيات. بهذه المناسبة، التقت «المساء» بالفنانة جهيدة هوادف بمتحف الفنون الجميلة قبل تنظيم معرضها بمتحف وهران، وتحدثت معها عن هذا الحدث الجميل، فقالت الفنانة أن مجموعتها الجديدة من اللوحات خصصتها للنساء بصفة عامة ولنساء نقاوس بصفة ادق، وهذا عرفانا بشجاعتهن وقدرتهن على تحمل الصعاب وبالأخص اللواتي قاومن المحتل الفرنسي جنب الرجال ومنهن من استشهدن مثل الشهيدة ابنة المنطقة مريم بوعتورة. واعتبرت الفنانة أن نقاوس (حيث ولدت) موجودة دائما في أعمالها منذ انطلاقة مسيرتها الفنية. مضيفة أن ذكريات الطفولة هي خزينة الإبداع لكل مبدع في أي مجال كان ومصدر إلهامه الذي لا ينضب. وفي هذا السياق ترسم جهيدة نقاوس وإن كان بطريقة غير مباشرة، أي باستخدام الكثير من الألوان في لوحاتها كرمز لثراء المنطقة بالألوان، وفي هذا تقول جهيدة «تشتهر نقاوس بفاكهة المشمش التي اعتبرها رمزا لضوء الشمس وبالتالي لكل الألوان، ونفس الشيء بالنسبة للون الأخضر الذي يرمز لطبيعة المنطقة ويضم مجمل الألوان». أما الألوان الأخرى التي تستعملها جهيدة فهي كما قالت نتيجة لخيالها الذي ترجم طبيعة نقاوس بطريقته الخاصة. وتتضمن مجموعة «نقاوسيات» 48 لوحة رسمتها الفنانة خلال سنتين ووضعتها جانبا إلى أن حان وقت عرضها، وفي هذا تقول جهيدة أنها اختارت وهران لتعرض أعمالا تكرّم نساء الشرق حبا فيها للتكامل بين كل مناطق الوطن، ورفضها الجهوية. بالمقابل، تطرقت جهيدة في حديثها ل «المساء» إلى حبها لنقاوس المنطقة التي رأت فيها النور وقالت أنها تعتبرها فضاء نقيا طاهرا، أو على الأقل كانت كذلك قبل أن تقتحمها مظاهر المدنية السيئة مثل الاسمنت المسلح الذي قضى على الكثير من الأراضي الخصبة. وأضافت جهيدة أن «طهارة» نقاوس وطبيعتها الجميلة أثرتا فيها كثيرا وأدخلتها عالم الصفاء والنقاء، وكانتا بحق مصدر إلهامها، كما أنهما جلبتا لها الهدوء والاستقرار النفسي، وكأن تلك «الطهارة» كانت مثل الصابون الذي يغسل الروح وينقيها من كل ضرر وسوء، وفي هذا تقول الفنانة: «يلجأ الإنسان إلى الطبيعة ليرتاح ويتطهر بخصوصياتها وجمالها الذي لا يقارن». وتقدم الفنانة في معرض «نقاوسيات» شخصياتها المعروفة بها، وهي عبارة عن هيئات تتميز بطول الرقبة ولباس مرزكش مزين بالازهار والنباتات، وبأعين محدقة تنظر بتمعن واهتمام في فضاء كثير الألوان، وفي هذا قالت جهيدة «أن شخصياتها التي فرضت نفسها رويدا رويدا كانت في بداية الأمر صلعاء الرأس وكأنها اجنة تعبرّ عن ميلاد جديد، وتطورت إلى أن أصبحت تظهر في كل مكان مثل الأزهار والاشجار، أي أنها اقتحمت عناصر اللوحة». مضيفة أن هذه الشخصيات تمثلها شخصيا ولهذا فهي حاضرة دائما وحتى لو غابت، مثلما هو الأمر في مجموعتها التي تحضرها بعد مجموعة «نقاوسيات» ستعود حتما لأنها مرآتها الفنية. من جهة أخرى، تعكف جهيدة هذه الأيام على انجاز مجموعة جديدة بعنوان «دزاير. إيرث»، وهو عمل مختلف تماما عن أعمالها السابقة، إذ أنه لا يتعلق بنقاوس لا من قريب ولا من بعيد؛ بل هو عن أحياء العاصمة حيث تسكن جهيدة وفي هذا قالت «قمت بمشاهدة موقع غوغل ايرث الشهير الذي يُّمكن ايّا كان من زيارة افتراضية لاية منطقة يريدها وقمت بمشاهدة الجزائر العاصمة واكتشفت وجود صور وضعها العاصميون عن احيائهم فتساءلت كيف أنني اسكن الجزائر العاصمة ولم أرسمها قط ولهذا قررت أن يكون معرضي القادم بعد معرض نقاوسيات حول العاصمة». واستلهمت جهيدة عملها القادم «دزاير.ايرث» من الصور التي وجدتها في موقع غوغل ايرث عن العاصمة فرسمت البريد المركزي مثلا وكل الأحياء التي تعني لها وتربطها بمشاعر فياضة، غير أن هذه المجموعة ستفتقد لشخصيات جهيدة وستعوضها المباني والأحياء، كما سيطغى اللون الأبيض عليها وهو اللون الذي تعرف به العاصمة. للإشارة، تضم مجموعة «نقاوسيات» 48 لوحة، من بينها لوحة رسمت فيها جهيدة شخصيتين نحيفتين ترتديان ثوبين زهريين، وتضعان منديلين على رأسهما، و»عجارا» يغطي الجزء الأسفل من وجههما وتنظران بعينين تحملان الكثير من الإيحاءات وهذا في وسط محيط مليء بالألوان، وتطرقت جهيدة في عملها هذا إلى أوجه عديدة من حياة المرأة النقاوسية، مثل مشاركتها في أشغال الحقل وصناعتها للزرابي وقدرتها على تحمل الصعاب، كما تناولت جوانب أخرى من يوميات النقاوسيات، وكذا عن طباعهن مثل ميلهن إلى التكتم وفي نفس الوقت مساعدتهن لبعضهن البعض وتوجههن لإيجاد نقاط مشتركة، وحتى مظهرن الخارجي وأزيائهن الجميلة وحليهن التقليدية المميزة.