ما أجمل أن يجد الكتاب نفسه بجوار لوحة فنية تشكيلية، وأن يتحولا بجمال الفن ورقة الثقافة إلى جارين سعيدين بهذه الرفقة الصافية من أي نزاع أو خلاف يذكر، وهو ما عايشناه في مكتبة الاجتهاد التي احتضنت كتبها المتنوعة ستة وعشرين لوحة للفنانة التشكيلية جهيدة هوادف، وهذا بكل محبة وترحاب لا نظير لهما. عادت مكتبة الاجتهاد بالعاصمة إلى عادتها القديمة المتمثلة في احتضان معارض تشكيلية، كيف لا وهي التي تأسست على يديّ إسياخم ومحمد خدة وبشير حاج علي وغيرهم، حسب ما كشفه مدير المكتبة السيد بوسعد وادي ل''المساء''، مضيفا أن هذه المكتبة التي كانت تسمى''دومينيك'' كانت رفقة السينماتيك الفضائيين الثقافيين الوحيدين اللذين كانا ينظمان لقاءات ثقافية وفنية ليشكلا ملاذا للفنانين الجزائريين، وهذا في سنوات الستينيات والسبعينات. وأضاف بوسعد أن المكتبة توقفت عن نشاطاتها الثقافية في فترة التسعينيات بفعل الظروف الصعبة التي عاشتها الجزائر والتي أثرت سلبا على كل ميادين الحياة بما فيها الثقافة، علاوة على ضعف الموارد المالية للمكتبة وصعوبات أخرى وفي مقدمتها القوانين الجديدة الصعبة التطبيق، والتي تتعلق باستيراد الكتب وأبعدت المكتبة عن شقها الثقافي. من جهتها، قالت المسؤولة التجارية بالمكتبة، السيدة مينة طالبي،ل''المساء''أن المكتبة احتضنت عدة معارض تشكيلية في المدة الأخيرة، والبداية كانت في السنة الفارطة مع الفنان نور الدين حميشي ومن ثم حفيد الفنان اسياخم، لتكون هذه السنة على موعد مع الفنانة حليمة لمين وجهيدة هوادف. وأكدت مينة أن المكتبة تهتم بالفن التشكيلي والدليل بيعها للكتب الخاصة بالفن الجميل في فضائها، بالمقابل اعتبرت أن المكتبة تهدف عبر تنظيمها لمثل هذه المعارض إلى مساعدة الفنان وتوفيره لفضاء يعرض فيه أعماله. من جهتها، قالت الفنانة جهيدة هوادف ل''المساء'' أن معرض ''خارج الورشة'' يضم 26 لوحة تشكل باقة من المعارض التي قدمتها آنفا، مستطردة قولها أنها تهدف من خلال عرض لوحاتها بالمكتبة في إطالة عمر أعمالها التي عادة ما تجد نفسها حبيسة البيت، في حال إذا لم تجد طريقها للبيع، وبالتالي ينقطع الاتصال بينها وبين الجمهور. وفي هذا السياق، لجأت جهيدة إلى مكتبة الاجتهاد التي عرضت سابقا في فضائها، وفي هذا تقول: ''كم جميل أن نطلق سراح لوحاتنا بإعادة عرضها مجددا في فضاءات تحتضنها بكل حب، مثلما هو الحال في مكتبة الاجتهاد التي تخصص مكانا لعرض اللوحات، وهو ما لا نجده في أغلب المكتبات، كما أن المكتبات على عكس المطاعم والفنادق، تشكل فضاءات ملائمة لاحتضان المعارض التشكيلية، كما أنها تتسم بالهدوء والنظافة وإقبال معتبر من الجمهور''. وضم المعرض ستة وعشرين لوحة تنتمي إلى المعارض المختلفة التي نظمتها الفنانة من سنة 1993 إلى سنة ,2008 وتضم في أغلبها شخصيات الفنانة التي تشبه أشجارا طويلة الساق بعينين براقتين، وترتدي أزياء كثيرة الألوان، أغلبها زاهية فرحة بالحياة التي وإن كانت صعبة، إلا أنها تضم جانبا جميلا يجب التمسك به. وضمت لوحة ''تحت أجنحة الحرية'' هيئة في شكل امرأة ترتدي ثوبا بنفسجيا بالقرب منها عصفورا كبيرا وردي اللون يحاول ضمها تحت جناحه الكبير، كدعوة منه لتحريرها من قيود صنعتها بنفسها قبل أن يفرضها عليها المجتمع، أما لوحة ''نكهة الجلد والخشب'' فجاءت في شكل فسيفساء من أشكال هندسية جميلة وفي وسطها هيئتين تجلسان بالقرب من نافذة وتحدقان بنا في فضول تام. أما لوحة : ''قبلة بحرية'' فقد رسمت فيه جهيدة وجهي رجل وامرأة يتبادلان قبلة في خضم زرقة البحر ووسط حشائش مخضرة، في حين جاءت لوحة ''ملجأ'' تضم إطارا مرسوما في داخله امراة ترتدي ثوبا أخضرا يغطي كامل أجزاء جسدها تحتمي بشجرة أما خارجه فجاء باللونين الأبيض والاسود. أما لوحة ''إزدواجية المكان'' فرسمت فيها جهيدة الطبيعة بنظرتها الخاصة، حيث رسمت أشجارا في شكل أوراقا كبيرة مزينة بأوراق زرقاء، أما لوحة ''تركيب رقم أربعة'' فجاءت في رداء تجريدي، وفي قالب أسود تتوسطه دوائر ملونة. وهكذا تحوّل جمهور المكتبة إلى جمهور الفن التشكيلي، فكان له الحظ في أن يشهد عرسا مميزا بين الكتب واللوحات الفنية ولم يكن هذا القران خارج الطبيعة أبدا بل أدخل فيه دما جديدا ينبض بقوة أكبر وبسرعة أدق لينجب فنا جديدا بوجه أجمل وأرقى. في إطار آخر، تضع جهيدة آخر اللمسات على معرضها الجديد، ''نقاوسيات'' الذي عزمت على تنظيمه بوهران ويتناول موضوع المرأة النقاوسية باعتبار أن جهيدة تنحدر من مدينة نقاوس(باتنة)، حيث ترجمت الفنانة ذكرياتها الطفولية في لوحات فنية.