لابد من برنامج وطني لمكافحة مرض الربو 80 % من سكان العاصمة مهددون بأمراض تنفسية يتحدث البروفسور سليم نافطي، مختص في الأمراض التنفسية ورئيس الجمعية الجزائرية للأمراض الصدرية والسل في حوار مع “المساء”، عن واقع مرضى الربو في الجزائر، معتبرا أن المصابين بهذا المرض في تزايد مستمر كضريبة للحياة العصرية ولأسباب كثيرة أخرى، أهمها تلوث المحيط. كما وجه نداء إلى المجتمع المدني ليلعب دوره الحقيقي في التحسيس والتوعية من مخاطر كثيرة، سواء على الصعيد الصحي أو الاجتماعي. - بروفسور، نود في البداية أن تحدثونا عن واقع مرضى الربوفي مجتمعنا، ولماذا تتضارب الأرقام بشأنهم؟ * حسب دراسة حول مرضى الربو في كل من تونس والمغرب والجزائر، قمنا بها في 2008، فقد توصلنا إلى أن نسبة إصابة الفئة 0-15 سنة هي 4.1 بالمائة، والأكثر من 15 سنة تصل نسبتهم إلى 3.1 بالمائة، ونظن أن هذه هي الأرقام التي تقارب الحقيقة، ونقول إن المصابين بالأمراض التنفسية في تزايد لأسباب كثيرة، لأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالمحيط، ويمكننا القول بأنها ضريبة للحياة العصرية والتمدن وتولث المحيط وحتى لاستعمالات التكنولوجيا المتطورة، ويمكن حقيقة القول بأن الربو يمثل مشكل صحة عمومية بالنظر إلى تزايد الإصابة به، لذلك نطالب كمختصين بإعادة مراجعة الإستراتيجية الصحية في الجزائر، وجعل لمرض الربو برنامجا وطنيا لمكافحته تماما، مثلما يوجد هناك برنامج وطني خاص بالسرطان وغيره من الأمراض، وعلى الدولة توفير كامل الإمكانيات من بشرية ومالية وعتاد طبي، وحتى الأدوية اللازمة للحد من انتشاره بين السكان. - هل هذا يعني أن هناك خللا في المنظومة الصحية بما يؤثر على التكفل بمرضى الربو والأمراض الصدرية؟ * الخلل يكمن في عدم وجود سياسة صحية واضحة المعالم، فيه خلط كبير لا بد من إعادة مراجعته بما سيعود بالفائدة الكبيرة على المنظومة الصحية، والحمد لله تتوفر كفاءات يشهد لها، يمكن أن تساهم بصفة ديموقرايطة في إعادة ترتيب البيت. وبالحديث عن الإمكانيات، فالبشرية منها متوفرة، إذ نحصي اليوم 35 ألف طبيب؛ منهم 15 ألف مختص و20 ألف طبيب عام، والموارد المالية متوفرة أيضا، وما يلزم من جهة أخرى هو التكوين المتواصل، والأهم توفير الهياكل الصحية المجهزة بالعتاد الطبي اللازم للتدخل السريع والصحيح لإنقاذ أرواح المرضى، ومنهم مرضى الأزمات التنفسية، بمعنى إعادة تنظيم الجهاز الطبي الذي كان في سنوات السبعينات في قمة التنظيم والخدمة، وهو اليوم متداخل وغير منظم إطلاقا. بمعنى أن الهياكل والمصالح الطبية اليوم، أصبحت منفصلة عن بعضها، لا بد أن يكون هناك تنظيم عام يشمل تحديد الأدوار بالفعل وكيف ينتقل المريض من طبيب عام إلى مختص، وحتى تحديد المسؤوليات. فالمريض عليه أولا أن يجري استشارة طبية لدى الطبيب العام الذي بدوره يحدد طبيعة مرضه، وهل يستحق استشارة من طبيب مختص أم لا، وهذا معمول به في البلدان المتقدمة، أما عندنا في الجزائر، فنجد خلطا كبيرا، حتى أننا في المستشفيات الجامعية نجد أنفسنا في كثير من الأحيان أمام حالات مرضية بسيطة يمكن للطبيب العام علاجها، وهو ما نسميه بين قوسين؛ “المرضى المزيفون”، وهذا يخلق لنا ضغطا متواصلا في العمل. ونشير إلى أن مرضى الربو يمثلون الرقم الأول في الاستعجالات الطبية، وهذا أمر غير مقبول، أي أن ثلث المرضى المترددين على الاستعجالات يعانون من الربو، وهذا يمكن تفاديه للاستعجال بالتدخل الطبي الصحيح، سواء في قاعات العلاج أوفي مؤسسات الصحة الجوارية، ولكن سوء التسيير جعل من نقص الأدوية والأوكسجين يستفحل أكثر فأكثر في المنظومة الصحية، وهذا يخلق مشكلا مزيفا آخر يمكن تفاديه ببعض التنظيم لا غير، وبالتالي إنقاذ آلاف الأرواح. ولكن هذا لا يعني أن المشكل تنظيمي فقط، وإنما مجتمعي أيضا، بمعنى أن العديد من المرضى يجعلون ثقتهم في المستشفيات الكبرى، كما هناك سبب رئيسي آخر وهو انعدام التربية العلاجية الصحيحة في المجتمع، نحن نقول هنا للجمعيات “بركات” من التغني بأمراض الناس والمطالبة بالدعم وإحياء الأيام الوطنية والعالمية شكليا فقط، لا بد أن تلعب هذه الجمعيات الدور الحقيقي المنوط بها، وهو تثقيف الناس وتوعيتهم بكيفية التعايش مع مرضهم، والوقاية الصحيحة وحتى التعامل الصحيح مع النظام الصحي، أي الاستشارة لدى الطبيب العام، ثم التدرج، وهكذا. - ولكن المريض حقيقة يثق في المستشفيات، بقية المصالح الصحية تفتقر للكثير.. * صحيح، وهذا ما عنينا من قبل بالقول؛ لا بد من إعادة تنظيم الجهاز الصحي، لأن وجود 20 ألف مصلحة قاعدية للصحة ولكنها لا تؤدي الدور الحقيقي لها، هذا في حد ذاته مشكل تنظيمي. أما القول بالثقة في المستشفيات، فأنا أعتقد أن الثقة تكتسب، أي لا بد للطبيب العام بمصلحة أو عيادة أن يعرف كيف يكسب ثقة المريض، وهذا شيء يساعد كثيرا في تنظيم القطاع وتقليص ظاهرة “المرضى المزيفين” الذين يملؤون قاعات العلاج بالمستشفيات، في الوقت الذي لا بد من تركها للحالات المستعصية. وهنا نشير أيضا إلى نقطة تكوين المجتمع المدني الذي عليه أن يكون مطلعا من جانبه على ملفات كثيرة لعل أهمها جديد الوقاية والتثقيف الصحي، لأن الطب في تطور مستمر، وكذلك كل الفاعلين فيه عليهم مواكبة هذا التطور. - في موضوع آخر، نود معرفة آخر التطورات في ملف محاربة التدخين، فبالرغم من الحملات التحسيسية الكثيرة التي تقودها جمعيتكم، إلا أن الظاهرة في استفحال، فأين الخلل؟ * صحيح، هناك خلل، ولكن ليس على مستوى العمل الجمعوي وإنما على المستوى الردعي، وانتشار ظاهرة التدخين، حيث بلغ على المستوى الوطني حدا أصبح فيه من الواجب دق ناقوس الخطر أكثر من أي وقت مضى، بعد أن مست هذه الظاهرة فئات عريضة من المجتمع، إذ أن واحدا من بين ذكَرين يدخنون في الجزائر، أي ما يمثل نسبة 44 بالمائة من مجموع الذكور فوق سن 15، كما أن هناك مدخنة واحدة من أصل كل 10 نساء، وهو ما يمثل نسبة 9 بالمائة عند الإناث، وما بين 3 إلى 5 بالمائة من المتمدرسين يدخنون، وفي الطور الثاني، هناك ما بين 10 إلى 15 بالمائة يدخنون، وفي الطور الثالث هناك 20 بالمائة من التلاميذ المدخنين، بحسب دراسة لجمعيتنا ببعض إكماليات وثانويات العاصمة. إذن فالوضع خطير، وستزداد الأوضاع خطورة إذا ما استمرت الأمور على حالها ولم تتخذ التدابير الوقائية الضرورية لمجابهتها، ونقصد هنا التطبيق الصارم للقوانين التي تبقى لحد اليوم مجرد حبر على ورق، أتساءل كيف يعقل أن يبقى حظر التدخين في الأماكن العمومية مجرد كلام فقط.. هذا غير معقول، ويمكنني التأكيد أنه في السنوات العشر القادمة سيصاب حوالي 80 بالمائة من سكان العاصمة بأمراض تنفسية بسبب التدخين والتلوث. - وهل الصورة سوداوية لهذه الدرجة بروفسور! * أكيد، وأكثر بكثير، وإن لم يتم تطبيق القوانين بصرامة كبيرة، فإنها ستكون أكثر قتامة، التدخين والتلوث بأشكاله يساهمان في ظهور أعراض جديدة للحساسية والتسبب في تفاقم الأمراض التنفسية، وهذه كما قلنا، ضريبة الحياة العصرية جراء انتشار المدخنات الصناعية أو الغازات المتأكسدة التي تنطلق من المحركات والعربات ونيران القمامات وغيرها.. لا بد من تدخل صارم، فإلى متى تبقى القوانين غير مفعلة، وإلى متى يبقى التذكير بأرقام الوفيات بسبب التدخين يعود للواجهة كل عام في مناسبة إحياء اليوم العالمي بدون تدخين؟ إن المنظومة الصحية في بلادنا تنفق ألاف المليارات سنويا لعلاج السرطان الذي يعد التدخين سببه الأول في 80 بالمائة من الحالات، وهي المليارات التي يمكن إنفاقها في أشياء أخرى! ولهذا، أعيد وأؤكد أن إعادة تنظيم المنظومة الصحية مطلب يفرض نفسه اليوم بإلحاح، وأنا متفائل حياله..