اعترف وزير التجارة، السيد مصطفى بن بادة، أمس، أن مسار المفاوضات لانضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة كغيره من المفاوضات يستلزم القبول ببعض التنازلات من أجل إنهائه بنجاح، غير انه أكد في المقابل بأن كل فريق العمل المكلف بالملف تحت إشراف وزارة التجارة حريص على حماية مصالح الاقتصادية للجزائر، وأشار بالمناسبة إلى أن هذا الفريق سينتهي قريبا من إعداد العرض الجديد الخاص بمجالات السلع والخدمات لتتم إحالته على أمانة المنظمة منتصف ديسمبر القادم. وأوضح الوزير خلال الندوة الصحفية المشتركة التي نشطها بمعية رئيس مجموعة العمل المكلفة بملف انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة السيد ألبيرتو دالوتو بإقامة الميثاق بالجزائر، أنه بقدر ما عملت الجزائر في إطار مسار المفاوضات للالتحاق بالمنظمة العالمية للتجارة على الاستماع لكل الانشغالات المعبر عنها من قبل الدول الأعضاء وبذل الجهود الضرورية والممكنة لتلبية طلبات هذه الدول واهتماماتها لجعل ملفها وتشريعاتها وتنظيماتها التجارية متوافقة مع المعايير المطلوبة من المنظمة، بقدر ما هي حريصة على الدفاع عن مصالحها الاقتصادية والتنموية، “لا سيما وأن أدبيات المنظمة العالمية للتجارة المنظمة تلح على حق الدول النامية بشكل خاص، في تحسين النمط المعيشي لسكانها وتوفير الشغل لأبنائها..”. وذكر السيد بن بادة أن الجزائر وبعد الجولة غير الرسمية التي عقدت في مارس الماضي واطلاعها على الملاحظات والانشغالات المعبر عنها من قبل الدول التي لها اهتمامات خاصة بملفها على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية، دول الاتحاد الأوروبي، تركيا، كندا، كوريا الجنوبية واستراليا، التزمت بتقديم عرض جديد لدخول سوق السلع والخدمات مدعم بوثائق تخص عمليات تكييف النصوص التشريعية والتنظيمية والأطر التقنية التي تنظم التجارة وفق ما تمليه قواعد المنظمة العالمية للتجارة، مشيرا إلى أن هذا العرض الجديد سيتم تقديمه أمام اللجنة الحكومية ثم إحالته على أمانة المنظمة العالمية للتجارة في منتصف شهر ديسمبر القادم، للتحضير للجولة ال11 من المفاوضات المقررة في 2013. واعترف الوزير بأن هذا المسار وكغيره من مسارات التفاوض يستلزم القبول ببعض التنازلات للوصول إلى إنهائه بنجاح، مشيرا في المقابل إلى أن هذه التنازلات تستدعي وضع تقييم للآثار والنتائج المترتبة عنها، مؤكدا في نفس السياق بأن “الفريق الجزائري المفاوض يدرك تماما هذا البعد، ولذلك فنحن حريصون سواء من خلال العروض السابقة أو العروض الجديدة على الأخذ بعين الاعتبار الدفاع عن المصالح الوطنية وحماية الاقتصاد الوطني”. وبالمناسبة، لفت السيد بن بادة إلى وجود خلط لدى البعض في فهم مسار الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة مع انخراط الجزائر ضمن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أو في منطقة التبادل الحر، موضحا بأن المنظمة العالمية للتجارة ليست منطقة للتبادل الحر، حيث يتم فيها التفكيك الجمركي بالكامل، وإنما يتعلق الأمر بشأنها بتكييف القواعد والشروط المنظمة للتعاملات التجارية مع المعايير المعمول بها لدى المنظمة. من جانب آخر، أشار الوزير إلى أن الجزائر لا تستمع فقط إلى مطالب الدول الأخرى في المنظمة العالمية للتجارة وإنما تطرح هي الأخرى انشغالاتها بشأن ما تراه أمرا لا يخدم مصالحها، مثلما هو الحال -حسبه- بالنسبة للمادة ال12 من قانون المنظمة، والتي تبدو بالنسبة للجزائر غير واضحة على اعتبار أنها لا تضع حدودا للدول الأعضاء في عرض مطالب جديدة على الدول الناشئة الراغبة في الانضمام. وأكد في الأخير بأن كل الفرق الإدارية التي تعمل على هذا الملف من الجانب الجزائري محضرة بالشكل اللازم لإنهائه وتحقيق الهدف المنشود، المتمثل في الالتحاق بالمنظمة العالمية للتجارة، وذكر بأن الجزائر كان يفترض أن تكون إحدى الدول الأعضاء المؤسسين لهذه المنظمة لولا التأخر الذي عرفته بسبب الأزمة التي مرت بها في تسعينيات القرن الماضي، مجددا التأكيد على أن الجزائر تملك الإرادة السياسية وكل الإمكانيات والمؤهلات التي تضمن لها الانضمام إلى هذه المنظمة التي تضم اليوم 150 دولة.من جانبه، أشار السيد ألبيرتو دالوتو إلى أن سلسلة المطالب التي عرضتها بعض دول المنظمة على الجزائر تشمل بالأساس مجالي السلع والخدمات وبعض وثائق الأخرى التي تخص مجال والتكوين، علاوة على تحيين المعطيات الخاصة بمجالات الاستثمار، المالية، وضعية مؤسسات الدولة وإسهام الشركاء الأجانب، وأعرب بالمناسبة عن ارتياحه لمستوى الاستعداد الذي لمسه لدى الفريق الجزائري لتسريع وتيرة الانضمام للمنظمة، معتبرا بان مسار التفاوض الذي خاضته الجزائر لمدة طويلة يستدعي اليوم تكثيف الجهود بشكل اكبر للوصول إلى تحقيق غايته. وكان رئيس مجموعة العمل المكلفة بملف انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة قد أكد في تصريح له عقب محادثاته مع وزير الخارجية السيد مراد مدلسي أمس أن الجزائر لديها إرادة سياسية قوية للانضمام إلى المنظمة، مشيرا إلى أن هذه الإرادة تتجلى في خوضها لمسار مفاوضات مع الأعضاء الآخرين ضمن مجموعة العمل. وقد التقى السيد دالوتو خلال زيارته لبلادنا منذ السبت المنصرم مع عدد من الوزراء ومسؤولي المنظمات والمهنية والاجتماعية على غرار الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين ورؤساء منظمات أرباب العمل، كما التقى برئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية والصناعة والتجارة والتخطيط بالمجلس الشعبي الوطني السيد توفيق طورش، حيث تناول الطرفان حسب بيان المجلس الشعبي آفاق الجولة ال11 المقررة في 2013 والشروط اللازمة لعقدها. كما تطرق الجانبان لما قدمته الجزائر حتى الآن من تحفيزات وتدابير تشريعية وقانونية متكيفة مع المعايير المعمول بها في المنظمة وكذا العروض التي هي مستعدة لتقديمها من أجل استكمال مسار الانضمام، مع التأكيد على أهمية تسريع انضمامها في أقرب الآجال. وبدوره أكد وزير التجارة السيد مصطفى بن بادة على هامش زيارته أول أمس إلى عين الدفلى وجود إرادة سياسية لدى الجزائر للإنخراط في المنظمة العالمية للتجارة، مشيرا إلى أن السلطات العمومية أعدت برنامج تأهيل بمبلغ لا يتعدى 300 مليار دينار بغرض تعزيز تنافسية وعصرية المؤسسات الجزائرية وتحضيرها للتفتح.