في كل مرة نتقرب من حرفي لاكتشاف ماهية بعض الحرف، تتكرر على مسامعنا عبارة مفادها»هذه الحرفة تسير نحو الإنقراض، أو أن هذه الحرفة لا تجد اليوم من يحافظ عليها، وغيرها من العبارات الدالة على عدم العناية بالحرف التي تعد جزءا من الموروث الثقافي للمجتمع الجزائري، من أجل هذا، ارتأينا البحث عن الأسباب التي جعلت بعض الحرف تسير نحو الزوال، وما الاقتراحات التي يرى الحرفيون أنها كفيلة بحماية هذه الأخيرة من شبح الاندثار. استطلعت «المساء» لدى تجولها بمعرض الصناعات التقليدية المقام مؤخرا بقصر المعارض، أراء بعض الحرفيين حول طرق حماية الحرف التقليدية من خطر الإندثار، فكانت البداية مع صالح زكري، حرفي في صناعة الزرابي التقليدية من ولاية خنشلة، أبى إلا أن يقدم لنا تعريفا للزربية التقليدية الخنشلية حيث قال؛ «الزربية عبارة عن رسومات تنسجها أنامل مبدعين تعكس عراقة وأصالة الماضي، وتحوي كل واحدة منها على رموز مستوحاة من الطبيعة الحيوانية أو النباتية أو من طريقة عيش الإنسان منذ الأزل، الأمر الذي دفع ببعض الباحثين إلى تشبيه الزربية بالكتاب الذي يحوي العديد من القصص والروايات. وفي رده عن سؤالنا حول واقع الزربية التقليدية كحرفة، جاء على لسنان محدثنا أن صناعة الزرابي التقليدية في الجزائر لا يبعث على الارتياح، بسبب عدم قدرة الحرفي على تصريف منتوجة، الأمر الذي يجعله عاجزا على صناعة زرابي تقليدية أخرى، خاصة أن هذه الأخيرة تتطلب جهدا عضليا كبيرا، وقد تستغرق عدة أشهر لتجهز، ومن ثمة يتجه البعض إلى ترك الحرفة بحثا عن سبل أخرى للإسترزاق. يقترح الحرفي صالح أن تتولى الوزارة المعنية عن طريق غرف الحرفيين، تسطير إستراتيجية شاملة مفادها تسويق كل منتوجات الحرفيين التقليدية، لأن ذلك من شأنه أن يدعم الحرفي ويشجعه على الإبداع، وبالتالي حماية الحرفة بتعليمها للشباب حتى لا يظل همّ الحرفي البحث عن سوق لتصريفها، وتظل الحرف التقليدية، خاصة صناعة الزرابي التي شرفت الجزائر في العديد من المعارض الدولية، في أياد آمنة تعرف كيف تحافظ على موروث أمة.
الأنانية واحدة من أهم أسباب اندثار الحرف التقليدية! كشفت «فاطمة الزهراء لا تامن» حرفية في الطرز التقليدي من ولاية توقرت، عن سبب آخر تعتبره من أهم الأسباب التي تعرض بعض الحرف للإندثار، حيث قالت في حديثها ل «المساء»؛ كان لدي ميول منذ طفولتي لتعلم بعض الأنشطة التقليدية، خاصة منها الطرز الذي تعد ولاية تقرت سباقة إليه، وعلى الرغم من أنني شابة متعلمة وأملك شهادة في الإعلام الآلي، غير أنني أحببت الحرف التقليدية، ورغبت في تعلم كل ما له علاقة بالطرز التقليدي الذي يعكس أصالة منطقتنا، غير أنني واجهت مشكلة أعتبرها السبب الرئيسي في اندثار هذا النوع من الحرف، وهي عزوف النسوة المتقدمات في السن عن تعليمنا بعض أسرار الطرز التقليدي الذي تختص به ولايتنا، إذ يطلبن منا قصد مراكز التكوين المهني للتعلم، غير أن ما تأبى هذه النسوة الاقتناع به هو أن مراكز التكوين تقدم مفاهيم عن الطرز الحديث، وما نحن بحاجة إليه هو إتقان الطرز التقليدي القديم، بداية من تفصيل الفستان إلى اختيار الرسوم، ثم تنسيق الألوان وتدرجاتها، فلا يخفى عليكم أننا نعتمد في الطرز التقليدي على خيط «الصرمة»، وهو نوع من الخيوط التي تأتي بألوان مختلفة لنقش رسوم على لباسنا التقليدي. وترجع الحرفية فاطمة الزهراء سبب عزوف بعض النسوة عن تعلّمهن إلى خوفهن من إتقان الصنعة، لأنهن يرغبن في احتكار الصناعات التقليدية للإنفراد بالمشاركة بمعارض محلية وطنية ودولية، وفي المقابل، يتناسين أن اعتماد هذا الأسلوب يسيىء إلى الحرفة التي قد تندثر بموت أصحابها. تقترح الحرفية فاطمة الزهراء؛ بُرمجت دورات تكوينية من طرف المتقدمات في السن من العارفات بخبايا الطرز التقليدي، ليتم توعيتهن بأهمية نقل خبراتهن، وما تحمله الحرفة من أسرار للراغبين في التعلم لحماية هذه الحرف التي اندثر منها عدد كبير. غياب المواد الأولية جعلنا نبدع بالخردوات أرجع العيد مغراوي من سكان ولاية سطيف، حرفي في صناعة النحاس منذ 1967، تدهور حال الصناعات التقليدية، خاصة النحاس، إلى غياب المادة الأولية بالدرجة الأولى، الأمر الذي جعل سكان قسنطينة من الذين اشتهروا بصناعة النحاس يهجرون الحرفة، حيث قال؛ «أذكر في ما مضى أن مادة النحاس كانت متوفرة بكثرة، لأن الدولة الجزائرية كانت تتكفل بجلب أطنان من النحاس، لهذا، كان الإقبال كبيرا على طلب تعلم هذه الحرفة، كما كان الناس يقبلون على شرائها، باعتبار أن أثمانها معقولة، إذ كان بكل بيت آنية أو أكثر من النحاس تحمل عراقة وأصالة الماضي، غير أن تكفل الخواص بجلب المادة الأولية أضر بحرفتنا، يضيف محدثنا، «إذ لم يعد بإمكاننا اقتناء ورقة نحاس لغلائها ورداءتها، وأمام هذا الوضع، تعذر علينا كحرفيين شراء النحاس، وعلى الزبائن اقتناء هذا النوع من الحرف لغلائها أيضا، الأمر الذي دفع العديد من الحرفيين إلى هجر الحرفة واستبدالها بأخرى. غلاء المادة الأولية وعدم وفرتها في الأسواق، لم يثن من عزيمة الحرفي العيد الذي أبى إلا أن يتمسك بالحرفة، حيث قال؛ «أنا حرفي مبدع محب لهذه الحرفة العريقة التي تسري في عروقي، وحتى لا أتخلى عنها، تحولت إلى البحث في خردوات النحاس، إذ أبحث في البيوت عمن يرغب في بيع بعض القطع النحاسية القديمة لأقوم باستغلالها في صناعة تحفة تقليدية قديمة. وهو ذات الإنشغال الذي لمسناه عند سمير خلفي، حرفي في صناعة الجلود من ولاية البويرة، الذي أرجع هو الآخر التدهور الذي مس بعض الحرف التقليدية إلى افتقار السوق الجزائرية للمادة الأولية، حيث قال؛ «نضطر كحرفيين إلى شراء مادة الجلد من تركيا وفرنسا بأثمان باهظة، على الرغم من وفرتها في بلادنا، غير أن المشكل المطروح هو أن عملية الدباغة لا تتمم على أكمل وجه في مجتمعنا، لنقص المصانع المختصة، لهذا يأبى بعض الحرفيين تحمل مثل هذه الأعباء، وفي المقابل يهجرون هذه الحرف، مما يعرضها للإندثار. يقترح الحرفي سمير والحرفي العيد أن تتكفل السلطات المعنية بتأمين المواد الأولية الضرورية لبعض الحرف، وكما قال الحرفي العيد؛ «انتعاش الحرف التقليدية كفيل بوفرة المادة الأولية».
صناعة الحلي تبحث عن التشجيع على الرغم من أن صناعة الحلي التقليدية في الجزائر تلقى اهتماما كبيرا من طرف الشباب الراغب في تعلمها، غير أنها هي الأخرى تعاني من بعض المشاكل التي قد تتسبب في زوالها، وإذا كانت الحلي بمنطقة القبائل تعرف انتعاشا، فإنها بمناطق أخرى من الوطن تحتاج إلى الكثير من التشجيع، وهو ما كشفه لنا اليامين متاوى من ولاية إيليزي، الذي امتهن صناعة الحلي منذ نعومة أظافره، حيث قال؛ «تعد الحلي من أهم الصناعات التقليدية التي توارثناها أبا عن جد، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي نبذلها بغية تحبيب الشباب فيها لتعلمها، وبالتالي الحفاظ عليها كمورث تقليدي، غير أننا نواجه مشكلة في الدعم، ويشرح ذلك بالقول؛ «تحتاج حرفة صناعة الحلي إلى الكثير من الصبر وتوفير بعض العتاد للقيام بالعمل، وهو ما يأبى الشباب الصبر عليه عند أول مشكلة تواجههم، لذا أعتقد أن حماية حرفة صناعة الحلي التقليدية تحتاج إلى تشجيع الشباب على ممارستها، من خلال تقديم الدعم اللازم فيما يخص أدوات العمل.