أكد السيد محمد لكصاسي، محافظ بنك الجزائر، أن البنك يتحضر لمواجهة تحديين ابتداء من سنة 2013، هما التطور الضروري للقروض السليمة الخاصة بالاقتصاد خارج المحروقات "حتى يتمكن من بلوغ قدرات نموه"، والادماج المالي لاسيما لفائدة الأسر والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وقال إنها ستكون "سنة حاسمة" في اعتماد مقاربة على أساس المخاطر للاشراف المصرفي بدخول مركزية المخاطر الجديدة قيد الانتاج وتطوير النموذج الجديد لاختبار المقاومة. شجاء ذلك في كلمة ألقاها السيد لكصاسي في الندوة رفيعة المستوى حول "الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي في البلدان العربية" التي جرت أشغالها أمس بالعاصمة، والتي تطرق فيها للخطوط العريضة للتحديات الأساسية التي واجهتها مؤسسة الاصدار في مجال تمويل التنمية الاقتصادية مع ضمان مهام الاصدار والتنظيم النقدي. وأوضح على هامش الندوة أن الحديث عن الادماج المالي للأسر لايتعلق بالضرورة بعودة القروض الاستهلاكية، لكنه يخص بصفة أكبر الخدمات البنكية المقدمة للمواطنين، مثل التسهيلات في فتح حسابات بنكية، تعكف لجنة مكونة من مختلف المعنيين حاليا على تحديد هذه الاجراءات التي سيتم الاعلان عن تفاصيلها لاحقا. وقال لكصاسي إن حجم القروض المقدمة من البنوك في السنوات الأخيرة ارتفع ب20 بالمائة وهي نسبة اعتبرها كبيرة، مشيرا إلى ضرورة التركيز على "القروض الفعالة". وبمناسبة خمسينية إنشاء بنك الجزائر، ذكر بكافة المراحل التي مرت بها هذه المؤسسة والدور الذي لعبته في التنمية الاقتصادية للبلاد. ودافع عن اختيار التسيير الحذر للاحتياطات الرسمية للصرف، مشيرا إلى أن هذا النهج يدخل في إطار الهدف الاستراتيجي الخاص بتوطيد الاستقرار المالي الخارجي. كما عاد للتذكير بأهم الاجراءات التي اتخذها البنك منذ 2002 لامتصاص فائض السيولة النقدية وبالتالي احتواء أثره التضخمي، ومنها تعزيز الجهاز التنظيمي لتسيير السياسة النقدية بشكل أكبر في 2009 مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات الحديثة في هذا المجال بعد الأزمة المالية العالمية. من جانبه، اعتبر وزير المالية السيد كريم جودي أن مستويات التضخم في الجزائر أقل من تلك المسجلة في بلدان أخرى بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع نسبة نمو إيجابية. لكنه أشار إلى أن المشكل المطروح هو تداعيات الأزمة المالية العالمية من حيث انخفاض الطلب العام وإمكانية انخفاض أسعار النفط وتوقعات زيادة أسعار المواد الأساسية، فضلا عن انخفاض النشاط التجاري وانخفاض رؤوس الأموال المستثمرة في بعض البلدان وكذا انخفاض التحويلات من المغتربين. إلا أن جودي شدد على أن الجزائر أخذت احتياطاتها عبر جملة من الاجراءات منها إنشاء صندوق ضبط الايرادات وضمان الاستيراد وخفض المديونية الداخلية والخارجية-حيث لن تلجأ إلى الاستدانة إلا في حالات استثنائية، وهي كلها مؤشرات كلية جيدة قال إنها تسمح بحل المشاكل المطروحة على المستوى الاقتصادي الجزئي، إذ سمحت على سبيل المثال بتحقيق نمو خارج المحروقات نسبته 6 بالمائة من 2000 إلى 2011. وفي تقييمه للوضع المالي الجزائري قال الدكتور جاسم المناعي المدير العام لصندوق النقد العربي إن أداء الاقتصاد الجزائري "جيد ويطمئن"، وأضاف أن بنك الجزائر استطاع بشكل كبير أن يحقق الاستقرار المالي والنقدي من خلال الاجراءات التي اتخذها للتحكم في السيولة والحفاظ على استقرار سعر الصرف وكذا قدرته على بناء احتياطات كبيرة تقارب 200 مليار دولار. بالمقابل، تحدث عن تحديات يجب رفعها للحفاظ على هذه الانجازات، على رأسها تقليل الاعتماد على المحروقات. وقال "من شأن هذه المشكلة أن تأخذ بعدا أكثر تعقيدا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الحد الأدنى لسعر البترول المطلوب لتحقيق الموازنة الجزائرية يعتبر مرتفعا نسبيا لايقل حسبما يبدو عن 100 دولار". كما تحدث عن تحدي التضخم الذي قال إنه لايرجع بالضرورة إلى زيادة السيولة بقدر مايرجع إلى ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة خاصة المواد الغذائية التي تعد الجزائر من أكبر مستورديها، وتحدي الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي انخفضت من 23 بالمائة في 2007 إلى 5.4 بالمائة في 2012. ولم ينس التذكير بأهمية تطوير القطاع المصرفي والمالي، الذي لايمكن أن يبقى منعزلا عن التفاعل مع التطورات العالمية، معتبرا أن 90 بالمائة من القطاع العمومي يشكل "أعباء كبيرة على الحكومة هي في غنى عنه". للإشارة، فإن الندوة استضافت مجموعة من محافظي البنوك العربية والمسؤولين والخبراء في القطاعات المصرفية العربية وكذا خبراء من المؤسسات المالية العالمية كالبنك الدولي.