اعتاد المشاهد رؤيته على قناة الجزائرية الثالثة كلّ مساء من خلال حصة «مساء الثالثة»، بابتسامة عريضة وتواصل عفوي، دخل البيوت والقلوب معا، فحاز بالقبول وبمحبّة جمهور ذواق أشدّ ما يكرهه التكبّر والتصنّع. شخصية هذا العدد، حيوية بدأت تشق طريقها في عالم التنشيط وتقديم البرامج التلفزيونية الهادفة، وزادها لذلك: العلم، الثقافة، البساطة والعفوية، هي كلّها صفات اجتمعت في «لطفي عيشوني» الذي اختار أن يطلّ على جمهوره هذه المرة عبر صفحات «المساء» التي خصّها وقرّاءها بهذا اللقاء: لو طلبنا منك تعريف لطفي في جملة متسلسلة وافية، فبما تعرفه؟ لطفي عيشوني: لطفي شاب جزائري من أسرة بسيطة، من مدينة «مليانة»، حاصل على شهادة الكفاءة في الحقوق وشهادة عليا في الإعلام، مسيرتي المهنية بدأت كمستشار ببنك، لكن طموح الوصول إلى عالم السمعي البصري كان الأقوى، وها أنا في التلفزيون الجزائري..
كيف تمكّنت من اقتحام أبواب التلفزيون؟ كان ذلك في 2006، بمناسبة ذكرى استرجاع السيادة الوطنية على مؤسّستي الإذاعة والتلفزيون، حيث أقيمت أبواب مفتوحة على التلفزيون، وبرمج كاستينغ لاختيار مواهب في عالم التنشيط التلفزيوني، بحضور وتحت إشراف مختصين ووجوه إعلامية بارزة، على سبيل الذكر لا الحصر، السيدة فاطمة الزهراء زرواطي والسيدة ليلى، تقدمت للاختبار وكان القبول والحمد لله، وأذكر يومها أنّ السيّدة ليلى خاطبتني قائلة: «أرى في عينيك بريقا غير عادي، سبق وأن رأيته في عين بلال العربي، وغيره من الإعلاميين الجزائريين الذين أثبتوا وثبتّوا حضورهم على شاشات عربية كبيرة، «فرفع كلامها من روحي المعنوية وشجعني كثيرا، لكنني لم أغتر، ولحسن حظي، كانت مديرية الإنتاج في هذه الفترة بحاجة إلى مقدّم ركن المفكّرة الثقافية في حصّة صباحيات، فرشّحت لتقديمها من طرف السيدة ليلى التي وثقت في قدراتي وتحمّلت مسؤولية مروري على المباشر بعد الكاستينغ، دون تدريب، ولم أخيّب أملها ونظرتها في..
كشاب دخل التلفزيون بعد اختبار وترشيح من أهل الاختصاص، هل تجدي الواسطة أو المحسوبية نفعا لمقتحم عالم الإعلام عن طريقة المجاملة والمحاباة؟ أكيد لا، فالصحافة مجال حسّاس ودقيق ويعتمد على مهارات فكرية وإبداعية كثيرة إذا لم تتوفّر في الشخص، فلا داعي لأن يقحم نفسه في عالم ليس له، فالإنسان الذي لا يملك قلما، لا يمكنه أن يكون صحفيا ناجحا، والإنسان الذي ليست له مؤهّلات لن تفيده المحسوبية في شيء، حتى وإن دخل المجال فعلا، إلاّ أنّه سيبقى مكانه لا حياة له في عالم حيوي يتطلّب الحركة، وبالنسبة للمنشط ومقدّم البرامج، فالكاميرا تكشف كلّ العيوب، فمن لا موهبة ولا إمكانات له، لا يستطيع أن يصمد وسيختفي بطريقة أو بأخرى ..
يعتقد الكثير ممن لا اطلاع له على كواليس الأستيديوهات، أنّ تقديم البرامج أمر جدّ سهل، فهل هو كذلك بالفعل؟ أنت وأنا وغيرنا من الإعلاميين الذين اقتحموا مجال الصحافة المكتوبة ومجال السمعي البصري، ندرك جيّدا مدى صعوبة تقديم البرامج، فهي ليست بالسهولة التي يراها ويعتقدها عامة الناس ممن لا خبرة ولا اطلاع لهم على خبايا وكواليس الحصّص المباشرة تحديدا، وما يعطي انطباعا بسهولة العمل، هو ربّما جلوس المقدم على كرسي واسترساله في الحوار، لكن ماذا قبل هذا؟ ف»مساء الثالثة» هي حصّة مباشرة وتقدّم تقريبا يوميا، عدا يوم الثلاثاء ونهاية عطلة الأسبوع، وهي حصة مسائية متنوعة بمواضيع مواكبة للأحداث، تتطلّب مع كلّ موضوع جديد البحث والدراسة، وهناك أركان قارة تستلزم جلب ضيوف من مختلف الأعمار والأمزجة وشتى التخصّصات، مع محاورتهم على المباشر، وأن توفّق في ذلك وتجد القبول غالبا ليس بالأمر السهل، فليس كل من هبّ ودبّ يمكنه التقديم، فهناك شروط كثيرة يجب توفرها وإلاّ كان الإخفاق هو النتيجة الحتمية لمن لا مؤهّلات له..
في رأيك، ما هي أهمّ الخصائص والشروط التي يجب أن تتوفر في المقدّم؟ لنبدأ بالمميزات أو الخصائص، وأذكر منها أولا: الصبر، إذ لابد للمقدم أن يكون صبورا على ضيوفه، متفهّما لارتباكهم وهم يواجهون الكاميرا، فللكاميرا رهبتها، خاصة لأول مرة أو حتى لو سبق ذلك مرات، لأنّ الانفعالات موجودة في كلّ مرة مع اختلاف حدّتها، ويكون واعيا أيضا ومدركا لمرمى حديث الضيوف، لبقا في كلامه، متواضعا في جلوسه، حكيما في إدارته لدائرة الحوار والنقاش المطروح، وأن يكون مع هذا وذاك، مثقفا، ملمّا إلماما شاملا بحيثيات الموضوع المطروح للنقاش، حتى لا يقع في الإحراج، هذا إلى جانب وجود طلاقة في اللسان وقدرة الاسترسال في الكلام، مع جعل الابتسامة والدعابة للحصة عنوانا..
بما أنّك تحبّ الدعابة، فمن باب الدعابة والفضول نسألك؛ لماذا تفضّل الكاميرا مباغتتك دائما وأنت تأكل على المباشر؟ يضحك قبل الإجابة ويقول: ليعرف الجمهور المتتبّع كم أنا أكول، ههه.. يضحك من جديد ويواصل: أمزح طبعا، لكنني بالفعل وكعامة الناس، أحب الأكل وأستمتع بالأكلات والحلويات اللذيذة التي إذا حضرت لبلاطو «مساء الثالثة» لم أستطع مقاومتها، ورحت ألتهمها لتكون الكاميرا لي بالمرصاد، لكنني مع هذا وبعفويتي المعتادة لا أرتبك، وأواصل الحصة في جو بهيج ممتع يروق لي، وللمشاهد أيضا الذي يبحث دائما وأبدا عن العفوية المهذبة الخالية من التصنّع والاستعلاء..
ماذا أكسبتك حصة «مساء الثالثة»؟ صراحة، أكسبتني الصحبة الطيّبة، حيث مكّنتني من التعرّف على زملاء أعتزّ بصداقتهم والعمل معهم، لأنّ «مساء الثالثة» هي جهد طاقم كبير من زملاء صحفيين يثرون الحصة بربورتاجاتهم الميدانية، تقاريرهم اليومية واجتهادهم، ومشرفة أيضا لا تبخل علينا بتوجيهاتها وانتقاداتها، وتقنيين ومخرجة، كل هذا يشكل «مساء الثالثة» وليس لطفي فقط، فما أنا إلا جزء بسيط من الكلّ. كما لا أنكر أن حصة «مساء الثالثة» ثقفتني كثيرا وجعلتني أغوص في ميادين شتى...
وماذا عن زينة القعدة؟ هي حصة مناسبتية قدمتها في رمضان وفي عيد الفطر وعيد الأضحى، وسعدت كثيرا بإطلالتي على الجمهور الجزائري في مثل هذه المناسبات الدينية الموسمية التي يستقبلنا فيها المشاهد الجزائري المحلي والمغترب بفرحة كبيرة وصدر رحب، لنبادله بدورنا الفرحة والحب ونمنحه ساعة سعيدة، نعمل لأن تبقى أجواؤها العبقة راسخة في الذاكرة.
ما المجال الذي تجد نفسك فيه، وما الحصة التي لطالما رغبت في تقديمها؟ أميل كثيرا للمواضيع الحساسة وأحلم بتقديم برنامج يفيد ويخدم المجتمع، ولطالما تمنيت لو كنت أنا من قدم حصّة «وكلّ شيء ممكن» مع ترحّمي واحترامي الشديد للأستاذ «رياض بوفجي»، هي أمنية راودتني كثيرا ولازال الحلم موجودا، كما أحلم بتقديم برامج استعراضية فنية ثقافية... الخ.
إعلامي متميّز بمثل مؤهّلاتك، لا شك تلقى عروض عمل من قنوات أخرى مستثمرة في الطاقات الشابة، فهل حمّستك الفكرة؟ بالطبع، لكنني وفي ظل المنافسة الجديدة، أرى أنّه آن الأوان لردّ الجميل للتلفزيون الجزائري الذي فتح لنا ذراعيه حين كنا بأمس الحاجة إليه، فكان مدرسة أساسية بالنسبة لنا ومؤسّسة فاعلة وفعّالة علّمتنا أبجديات العمل الصحفي، لنبلغ بفضلها مكانة الإعلامي المحترف المشرّف لمؤسّسته وبلده، أبعد كلّ هذا نتركها ليجني ثمارها من لاحق له في ذلك؟ فالجحود والنكران والهجر ليس من شيم الكرام ولا من شيمي، وإن كان للبعض في الهجرة أسبابه، أهمّها الركض وراء الجانب المادي لتحسين وضعيته الاجتماعية، وهذا حق كلّ إنسان ولكلّ أسبابه، شخصيته ونظرته وطموحه.
بعيدا عن العمل والتلفزيون، كيف هو لطفي الإنسان؟ لطفي في واقع الأمر إنسان مرح، لكنه مع هذا متحفّظ وصعب أن يمنح ثقته لأيّ كان، جدّ حسّاس ومتألّم لهموم الناس، وأغلى أمنية لدي هي جلب امرأة مسنّة من دور العجزة لأتكفّل بها، وتعيش كأمّ وسط أسرتي معزّزة مكرّمة، ربّما قد يستغرب البعض هذا لكنّها بالفعل أمنيتي..
وهل من أمنية خاصة؟ بالنسبة لي شخصيا، كلّ ما أتمناه هو أن أبقى عند حسن ظن رؤسائي ومن وضعوا ثقتهم بي، وعند حسن ظن المشاهد الكريم الذي صرت فردا من أفراد عائلته، أدخل بيته بكلّ احترام وتقدير لأدخل البهجة والمتعة والإفادة على قلبه، وكم يسعدني حبّه واحترامه، وفي الأخير، شكر خاص للمشاهدين الكرام في كلّ مكان على تتبّعهم وتشجيعهم لحصّة «مساء الثالثة» ولبرامج الجزائرية الثالثة بصفة عامة ولجريدة «المساء» على الالتفاتة واللقاء.