تبقى مظاهرات 11 ديسمبر 1960 إحدى الصفحات المشرقة في تاريخ الدبلوماسية الجزائرية الهامة ضمن مسار كفاح الشعب الجزائري من أجل تقرير مصيره وافتكاك استقلاله، وتستدعي المزيد من الاهتمام بما يضمن تدوين وأرشفة هذه الأحداث التي قوبلت بقمع فرنسي رهيب، حسبما أكده، أمس بالجزائر العاصمة، الأستاذ والأكاديمي السيد محمد ختّاوي. وأوضح السيّد ختّاوي (أستاذ بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر) في ندوة تاريخية نشّطها بمنتدى “جريدة الشعب” بالجزائر العاصمة تحت عنوان “مظاهرات 11 ديسمبر 1960، سند قوي للدبلوماسية الجزائرية في معركة استعادة السيادة الوطنية”، أن هذه الأحداث ساعدت الدبلوماسية الجزائرية على لعب دور كبير بقيادة ممثل الوفد الجزائري في الأممالمتحدة، السيد كريم بلقاسم، في المرافعة لتحقيق مبدأ الحرية والاستقلال، مضيفا أن المظاهرات عجّلت بعقد جلسات الحوار والتفاوض فيما بعد (مفاوضات إيفيان) بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية والسلطات الاستعمارية الفرنسية وهو ما أعطى دفعا قويا للتمسك بمسعى تقرير المصير ونيل الاستقلال وسط ظرف دولي مشحون حاولت الإدارة الاستعمارية استغلاله لإجهاض الثورة المسلحة، مبرزا الحنكة السياسية الكبيرة، التي كان الوفد الجزائري يتمتع بها في مواجهة المراوغات الفرنسية، التي كانت تأمل في فرض مبدأ الاستقلال الذاتي ورفض شروط الحكومة المؤقتة، خاصة ما تعلق بفكرة بقاء جبهة التحرير الوطني الممثل الوحيد والأوحد للشعب الجزائري في إطار مسار المفاوضات. وأكد الأستاذ أن الدبلومساية الجزائرية استطاعت في تلك الفترة استغلال أجواء ومجريات مظاهرات 11 ديسمبر للضغط على الإدارة الفرنسية واقتيادها لطاولة المفاوضات رغم التعنّت الكبير، الذي كان يبديه الجانب الفرنسي في محاولة منه لربح الوقت واستنزاف طموحات الجماهير الجزائرية التواقة للانعتاق والتحرر. كما اعتبر أن خروج الجزائريين إلى الشوارع في مظاهرات عارمة للرد على المظاهرات الفرنسية الداعية ل “الجزائر فرنسية” جاء في وقته بدليل أن الشروع في جولات مفاوضات تقرير المصير بين الجزائر والسلطات الاستعمارية جاء مباشرة بعد هذه الأحداث التي كانت محل اهتمام الرأي العام الفرنسي والدولي على حد سواء. وقال في هذا الإطار “إن إدارة الاستعمار والرأي العام الفرنسي لم يكونا يتوقعان أن تفضي هذه المظاهرات إلى تحقيق الاستقلال الوطني، الأمر الذي جعلها تستهين بحجمها ومدى تأثيرها على مسار الثورة..”. في السياق، دعا أستاذ العلوم السياسية إلى ضرورة عدم إغفال هذه المظاهرات التاريخية التي حوّلت مسار الكفاح المسّلح إلى الحوار والنضال السياسي بتشجيع المؤرخين والباحثين على تدوين وأرشفة هذه الأحداث، التي تضاف إلى المحطات التاريخية الأخرى، مشدّدا على ضرورة استرجاع الأرشيف الفرنسي الخاص بهذه الحقبة الذي اعتبره المتحدث المفتاح للبدء في مرحلة الأرشيف. وشجّع على ضرورة إعلام الطلبة والشباب بمثل هذه الأحداث، التي صنعت ملاحم بطولة الشعب الجزائري، معتبرا تخليد الذكرى التزاما قويا بمبدأ اعتراف فرنسا بجرائمها وتعويض المتضررين. وذكّر المتحدث في الأخير، بمجريات أحداث 11 ديسمبر 1960 والانعكاسات التي أحدثتها على الرأي العام الفرنسي والدولي، مطالبا بالاهتمام أكثر بالذكرى باعتبارها حلقة الوصل بين الكفاح المسلح والنضال السياسي من أجل افتكاك الحرية.