الجزائريون فتحوا جبهات متعددة لمقاومة الاستعمار الفرنسي، واستعملوا كل الوسائل المتاحة لهم من أجل تحرير الإنسان الجزائري من الظلم الكلونيالي المسلط عليه والميز العنصري والنظر إليه نظرة احتقار، فمُنع من التعلم في الميادين التكنولوجية الحديثة، وتم حشره في زاوية علوم إنسانية ضيقة، إلا أنه رفع راية التحدي ودخل المعركة من هذه الجبهة الاجتماعية والسياسية، ليعلن للمستعمر الفرنسي أنه قادر على المواجهة وبلغة وأدوات خصومه، ومنها اللغة الفرنسية. وكان ممن رفعوا هذا التحدي الكاتب والأديب الشهيد مولود فرعون صاحب رائعة “ابن الفقير”، الذي استضافته أول أمس كل من جمعية الكلمة للثقافة والإعلام والنادي الثقافي “مولود فرعون “للمركز الثقافي “عز الدين مجوبي”، في شريط وثائقي تم عرضه على طلبة المدرسة العليا للأساتذة، بحضور ابنه علي فرعون وابنته فازية فرعون والأستاذ عطاطفة. تأتي الذكرى المائة لميلاد الكاتب الجزائري الأستاذ مولود فرعون، رحمه الله، والجزائر تحتفي بعيد استقلالها الخمسين، وبين ميلاد كاتب وميلاد ملامح الحرية التي طالما حلم بها هذا الكاتب الجزائري وراح ضحية في سبيل تحقيقها ولم يبق بينه وبين فجرها إلا تبيّن الخيط الأبيض من الأسود للاستقلال. فمولود فرعون ابن مدينة تيزي وزو، التي تسورت بالجبال، وانتثرت قراها ومداشرها على القمم كما تنتثر النجوم في السماء أو كما تتوزع أعشاش النسور البيضاء على رؤوس الجبال الخضراء. في البداية أكد رئيس جمعية “الكلمة” الشاعر عبد العالي مزغيش، أنه أراد من خلال هذا اللقاء الوقوف على أهم مراحل حياة الكاتب الشهيد مولود فرعون، وهذا من خلال الشريط الوثائقي الذي عثر عليه شباب متحمس بعد بحث بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة؛ خدمةً لهذه الشخصية الجزائرية الفذة. ومن جانبه، ألقى الشاب ماضي من “نادي مولود فرعون” كلمة بالأمازيغية، رحب في مستهلها بالحضور وبعلي وفازية فرعون والأستاذ عطاطفة، ليفسح المجال لعرض الشريط الوثائقي حول حياة مولود فرعون التي بزغ فجرها في 8 مارس من عام 1913، في أسرة جزائرية فقيرة إلا أنها مقاومة ومحبة للعلم؛ حيث عمل والد مولود فرعون على تعليمه والإنفاق عليه رغم قصر اليد وضيق العيش، ومن هنا تتفتق عبقرية مولود فرعون في المدرسة وبين زملائه؛ حيث التفوق والعلامات الممتازة. الشريط الوثائقي تخللته شهادات وتعليقات من قبل الذين عايشوا عن كثب الأديب الراحل، سواء في الدراسة أو أثناء مزاولته التعليم بمدرسة المعلمين ببوزريعة. كما عُرضت وثائق وشهادات ورسائل ومخطوطات للكاتب مولود فرعون رحمه الله. وبعد انتهاء الشريط الوثائقي الذي دام 26 دقيقة أحيلت الكلمة إلى السيد علي فرعون نجل الأديب الراحل صاحب رائعة “ابن الفقير”، معلقا على هذا الشريط، إذ أكد أنه شاهد فيه أصدقاء مولود فرعون، ومنهم السيد أقشيش، الذي كان مدرّسا بمدرسة المعلمين، وأن علي من تلامذته، دخل القسم الذي يدرس به سنة 1949. والشريط الوثائقي، يقول الأستاذ علي فرعون، تم إنتاجه سنة 1992. كما تحدّث مليا عن مؤلفات والده واللغات التي تُرجم إليها أدبه، وأن أعماله الكاملة ستترجَم إلى اللغة العربية هذه السنة؛ وهذا من أجل تعريف الشباب الجزائري بهذا الكاتب؛ لأن الكثيرين لا يعرفون مؤلفات مولود فرعون ويظنون أنه هو من ألّف مسلسل “الغني والفقير” المسلسل الأمريكي. كما تناولت ابنة مولود فرعون فازية فرعون جانبا آخر من حياة والدها وأدبه وكذا الأستاذ عطاطفة، الذي أسهب في التعريف بأدب “ابن الفقير”، لتعطَى الكلمة بعد ذلك للجمع الغفير من الطلبة والطالبات للأسئلة والمناقشة والتعليق على ما جاء في هذا الشريط الوثائقي عن حياة الشهيد مولود فرعون رحمه الله.