بالرغم من أن الفصل فصل شتاء، فصل الأمطار والبرد القارس، إلا أنني رأيت نفسي أرتدي التبان الأحمر وأتجول في الشاطىء الذي أعشقه وأرتاده صيفا، وأحن إليه فعلا شتاء، رميت بنفسي في البحر، أخذت في التجديف والغطس والعبث بالماء، أصعد موجة وأنزل من أخرى، موجات لطيفة في بداية نشأتها، قصيرة المد، لكن سرعان ما كبرت وطالت، ثم هاجت إلى درجة الغضب، وكأنها تعبر عن حالة تكون قد أشعلت فيها شيئا من الغيرة أو عدم الاطمئنان لما قد يحدث في مستقبل الأيام.. كنت سعيدا في بداية الأمر، مطمئنا، لكن سرعان ما أخذت هذه السعادة وهذا الاطمئنان يتناقصان شيئا فشيئا، ثم يتلاشيان، ورأيت نفسي أركب الأمواج ولا أنزل، وإذا نزلت فلا أكاد أتخلص من بطنها إلا بصعوبة وجهد جهيد، كنت أعلم أن التيار يجذب السباح أو الغطاس إلى عرض البحر، وقد تدوسه أقدامه في أعماقه وأوحاله،، ثم حين يقضي عليه يقذفه بعد أيام إلى الشاطىء، فيعثر عليه بعض الصيادين أو بعض المخلوقات الجارحة.. كنت دائم الحذر منه ومن غدره.. لكن لا ينفع الحذر مع القدر، فقد جرني كما تجر الشاة إلى مكان بعيد خرب.. إلى جزيرة مهجورة إلا من طيور تترصد، ثم تنقض على بعض الأسماك الطافية، هي جزيرة قيل عنها الكثير ونسجت حولها الأساطير، قالوا عنها إنها آخر قلعة من قلاع الاستعمار، ما زال يرعاها ويحميها.. حرس السواحل يرقبني من بعيد، ينتظر عودتي ليقبض علي.. تناول أحدهم مكبر الصوت محذرا إياي، مهددا، متوعدا، اختبأت تحت إحدى الصخور ورحت أرقب الوضع، وأبحث عن طريقة للخروج من هذه الجزيرة اللغز.. وقبل أن يجن الليل ويطوي الظلام الجزيرة وما حولها، لمحت مجموعة بشرية تتأهب لعقد اجتماع تحت مظلة عملاقة تغطي جانبا كبيرا من الجزيرة، وتأكدت حينها أن هذه الكتلة المحاطة بكل البحار هي محمية غير طبيعية، يسكنها – كما أشيع – أناس أو مخلوقات من آكلات لحوم البشر، ولعلها قاعدة خلفية لعملاء أشد خطرا من تلك المخلوقات.. تسللت زحفا نحو مكان اجتماعهم لأسترق السمع، فوجدتهم محصنين بأجهزة ضد التنصت، زودهم بها مالك المحمية مقابل تفانيهم في خدمته.. وما إن أسدل الليل ظلامه حتى شعرت بشيء يرتج من تحتي، فاستنجدت بحرس السواحل، وما إن وطأت قدماي اليابسة حتى هز الجزيرة زلزال عنيف مدمر، فأغرق الجزيرة، فباتت خبرا بعيد عين.. ولما أفقت من هذا الكابوس، توجهت فورا إلى الشرفة، فعدلت اتجاه الساتيليت نحو...