عرفت ظاهرة الاختطاف في الآونة الأخيرة نوعا من التراجع بعد الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الظاهرة، غير أن هذا التراجع، يقول عبد الرحمان عرعار الناشط الحقوقي ورئيس شبكة “ندى” للدفاع عن الأطفال، يُعتبر تراجعا حذِرا؛ لأن الواقع أثبت وجود بعض المحاولات، ما يعني وجوب الإسراع في الإفراج عن القانون الذي يحمي الأطفال لتطبيقه على أرض الواقع في أقرب الآجال. انطلق عبد الرحمان عرعار في حديثه إلى “المساء” عن ظاهرة الاختطاف من قضية الطفل زكريا، الذي اختُطف مؤخرا بالجلفة، وتم العثور عليه في بئر؛ حيث قال: “رغم أننا نلمس نوعا من التراجع في قضايا الاختطاف غير أن هذا لا يعني أن الظاهرة غير موجودة وإنما نشعر بوجود نوع من الحذر والترقب من الفاعلين عند الإقدام على مثل هذه العمليات التي أضحت تستهدف الأطفال، من أجل هذا أناشد الجهات المعنية ضرورة التعجيل بالإجراءات العلمية التي اتخذتها الحكومة في 17 مارس 2012، والتي ترتكز على ثلاثة محاور أساسية، وهي النوعية والوقاية والمعالجة القضائية الصارمة والسريعة ضد مرتكبي هذه الجرائم”. وأضاف: “من أهم الأجهزة التي ينبغي أيضا التركيز عليها في حماية الأطفال من مختلف أشكال الاعتداءات، أجهزة الإنذار، والتبليغ عن طريق الخط الأخضر على مستوى الدرك والشرطة، فرغم أن هذه الخطوط تعمل اليوم غير أن هذا يظل غير كاف؛ لأن أجهزة الإنذار ينبغي أن لا تتوقف بمجرد الاستماع إلى الضحية أو المتصل عموما، بل ينبغي أن يتعزز الخط بآلية كاملة تتابع حالات الاختطاف، هذه الآلية رغم أهميتها لم تنصَّب لحد الآن بسبب عدم الإفراج عن القانون، وفي انتظار صدوره أظن أن اللجنة المكلفة تعمل اليوم على تفعيل الآلية ولكن في المقابل ينبغي التعجيل بها لدعم المنظومة الحقوقية لأطفال الجزائر”. وفي رده على سؤالنا حول المجهودات التي تبذلها شبكة ندى في مجال محاربة اختطاف الأطفال، قال: “لا يخفى عليكم أن الشبكة عضو باللجنة الوزارية، وقدّمنا بالمناسبة 50 مقترحا بعد اجتماعنا مع وزارة الداخلية، ويجري الآن ضبط المخطط الاستعجالي بعد أن تم مناقشة قانون حماية الأطفال مرتين في انتظار أن يُعرض للنقاش على البرلمان، غير أننا كشبكة، أبدينا بالمناسبة تحفُّظنا حول بعض المواد، فمثلا فيما يخص قضية المسؤولية الجزائية تم تحديد السن بعشر سنوات، غير أننا نعتقد أن سن المسؤولية الجزائية عند الطفل هو 13 سنة؛ تبعا لما هو موجود في القانون المدني؛ أي سن التمييز، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى أبدينا أيضا تحفُّظنا على صلاحيات ومهام مندوب الطفل، إذ نعتقد أنه لا بد من إعطائه اكبر قدر من الصلاحيات وإبراز الدور الذي يلعبه في حماية الطفل بكل وضوح حتى لا يكون هناك تداخل في الصلاحيات؛ ما ينعكس سلبا على الطفل”. ينظر عبد الرحمان عرعار إلى الاحتفال باليوم العالمي للطفولة على أنه لايزال عبارة عن حدث مناسباتي، إذ يكثر الحديث على الأطفال وما لهم من حقوق عشية الاحتفال بعيدهم، ولكن سرعان ما يُطوى الملف بعد ذلك؛ لذا يقول إن الاهتمام بالأطفال قضية ينبغي أن تشغلنا يوميا، وينبغي أن نعمل في كل مرة على تسطير آليات تؤمّن الحماية لهم على مدار السنة، لذا فالمطلوب اليوم هيكلة المجتمع من جديد من خلال تفعيل الحركة الجمعوية لتكون قوة اقتراح وتغيّر، وعلى مؤسسات الدولة أن تعيد النظر في نشاطاتها الموجَّهة للأطفال لا سيما على مستوى البلديات، إذ نجد ما يسمى بخدمات الشؤون الاجتماعية ولكنها لا تقدم خدمات واضحة للأطفال، فحبذا، مثلا، لو يتم تأسيس فروع تعنى بالطفولة على مستوى البلديات؛ كونها الأقرب إلى المواطنين. وأعدّت شبكة ندى بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للطفولة برنامجا ثريا ومتنوعا يحوي العديد من المحاور التي تُطرح للنقاش، ولعل أهمها إقامة يوم برلماني يقول عبد الرحمان عرعار للحديث عن وضعية الأطفال في خطر معنوي، حيث يفتح المجال لطرح كل الانشغالات الخاصة بأطفالنا وما يتعرضون له من اعتداءات جسدية ومعنوية، إلى جانب تسطير خرجات ميدانية للأطفال المحرومين إلى حديقة التجارب بالحامة، ناهيك عن إطلاق برنامج تجريبي بالتنسيق مع وزارة التضامن الوطني لفائدة الأطفال في خطر معنوي، “حيث اخترنا يضيف ولاية تيبازة كولاية نموذجية نبدأ فيها العمل مع 20 طفلا من مختلف ولايات الوطن، الذين تعرضوا للخطر المعنوي، ونضعهم رفقة أشخاص متخصصين لمرافقتهم تابعين لوزارة التضامن الوطني ولشبكة ندى، وذلك لمدة عشرة أيام. وبعد الانتهاء من العمل نقيّم التجربة، فإن جاءت بنتائج إيجابية نباشر تعميمها على باقي ولايات الوطن”. وقد أرجع عبد الرحمان عرعار تفشي بعض الظواهر التي مست بالدرجة الأولى الأطفال على غرار ظاهرتي الاختطاف والاعتداءات الجنسية، إلى تضييع المجتمع العديد من الآليات التقليدية التي كانت متَّبعة قديما في حل مختلف النزاعات الأسرية؛ حيث قال: “لعل ما غذّى ظاهرة الاختطاف في مجتمعنا اعتمادنا على منهج العنف في معالجة مختلف المشاكل الأسرية، كما أن روح المبادرة إلى الخير لم تعد موجودة، وفي المقابل لم يتم خلق آليات جديدة تحل النزاعات بطرق سلمية، وحتى الوساطة التي عوّل عليها البعض نجد أنها غير معترَف بها؛ بحكم أن اقتحام العائلات ومحاولة فهم ما تعانيه أصبح صعبا، لا سيما أن الأسرة اليوم تعيش حالة من التكتّم؛ ما ولّد صعوبة في التواصل”.