أجمع المشاركون في الملتقى الدولي حول “الأمير عبد القادر والقانون الدولي الانساني” الذي اختتم، أول أمس، بقراءة التوصيات، على ضرورة إعطاء التراث الوطني الانساني وفي مقدمته فكر الأمير عبد القادر وأعماله الاهتمام اللازم بحثا ودراسة ونشرا وترجمة. وحثوا الجامعات والمعاهد العليا المتخصصة على إدراج مادة القانون الانساني في مقرراتها مع تشجيع التعاون وتطويره بين المؤسسات الوطنية المعنية بالقانون الدولي الانساني ومثيلاتها في الدول الأخرى. وأكد المؤتمرون على أهمية التعاون والتنسيق بين اللجنة الوطنية للقانون الدولي الانساني واللجان العربية العاملة في هذا المجال، وطالبوا بتعزيز برامج الدورات التدريبية في مجال القانون الدولي الانساني من خلال الاستفادة من الخبرات الوطنية والاقليمية والعالمية. وإذ أبرزت التوصيات الدور الرائد للأمير عبد القادر في مجال القانون الدولي الانساني، فإنها شددت على ضرورة إجراء المزيد من البحوث والدراسات لاستكشاف الاسهامات الوطنية في هذا المجال. ودعت لمتابعة أعمال ملتقى الجزائر ونشرها وتوزيعها على المشاركين والمؤسسات الوطنية والأجنبية ذات الصلة. وكانت الأيام الثلاثة من عمر الملتقى فرصة للكثير من المتدخلين لابراز جوانب متعددة من فكر وسلوك الأمير عبد القادر الذي جمع في شخصيته بين الرجل المحارب ورجل الفكر والدين. ومن هؤلاء العقيد سليمان موالي، من مديرية الايصال والاعلام والتوجيه للجيش الوطني الشعبي، الذي قال في مداخلة ألقاها أول أمس، تحت عنوان “الأمير عبد القادر بين نزعة الانتصار ومقتضيات خلقنة الحرب وانعكاس ذلك على الجيش الوطني الشعبي”، أن كل الوثائق التاريخية أثبتت أن الأمير عبد القادر تعرض رفقة جيشه إلى “مآس كبرى ونكبات عظمى” لكنه “لم يسئ إلى أخلاق الحرب ولم يدنس رمز القضية” التي دافع من أجلها. وأضاف أن الأمير كان “يتصور الحرب بمثابة أداة فرضتها قوى عظمى على شعب مستضعف”، مشيرا أنه “تميز بأخلاق شاملة أبرزها الانفتاح والتحاور مع الخصوم في كل ما يخص قضايا السلم”، مشيرا الى معاملته الخاصة لأسرى الحرب باعتبارهم “ضحايا للنظام الاستعماري”. وبالنسبة للمحاضر، فإن اجتماع هذه القيم بلور معالم “ثقافة قتال متجددة وراقية جعلت من جيش الأمير أداة ضارية ومؤسسة قائمة بذاتها قابلة للتطور عددا وعدة وكفاءة”، معتبرا أن روح القتال مصدرها “عقيدة الدفاع عن الوطن والدين وأداتها التنظيم الجديد لمفهوم جيش كان يدافع عن وطن وليس عن سلطان ولا عن ايديولوجيا معينة”. وأكد أن جيش التحرير الوطني أخذ عقيدته القتالية من روح جيش الأمير واعتمد على خططه القتالية وإمداداته اللوجيستية ومما تعلمه في جبهات القتال بأوربا وآسيا. وقال إن هذه القيم جعلت من ثورة نوفمبر 1954 ثورة “ذات جذور ورموز ارتبطت بمسألة الحق الانساني الذي يشرع للقتال من أجل الحرية”. وهذا المحتوى المرجعي ساهم في تأطير الفعل القتالي لجيش التحرير الوطني وجعله “يخلقن عملياته حتى لا تمس بمصداقية القضية” وهو ما يفسر-كما قال- الدعم الكبير الذي لقيته الثورة الجزائرية من دول وشعوب العالم بأكمله. في السياق، اعتبر الناشط باللجنة الدولية للصليب الأحمر، فرانسوا بينيون، أن الثورة التحريرية الجزائرية “نموذج راق لحروب التحرير في بعدها الانساني كالتزام على احترام المواثيق الدولية آنذاك”. وذكر في محاضرة تحت عنوان “نشاط اللجنة الدولية للصليب الأحمر إبان حرب التحرير الجزائرية” أن جيش التحرير الوطني بادر في عديد المرات باطلاق سراح الأسرى الفرنسيين الموقوفين في مختلف جبهات القتال بالتنسيق مع الصليب الأحمر الدولي. ووصف هذه المبادرات الانسانية لثورة الجزائر ب«النموذج” لحروب التحرير التي عرفت فيما بعد في بعض دول افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وقال المتحدث إن الصليب الأحمر كان متواجدا بالجزائر منذ اندلاع الثورة في نوفمبر 1954 وأنه اقترح برنامج عمله الانساني ثلاتة أشهر فقط بعد اندلاعها. للتذكير، فإن الملتقى الدولي حول “الأمير عبد القادر والقانون الدولي الانساني” حضره خبراء وجامعيون من الجزائر وسويسرا وإجلترا والمغرب. ونظم في إطار الاحتفال بالذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر والذكرى 130 لوفاة الأمير عبد القادر والذكرى ال150 لانشاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والذكرى الخامسة لانشاء اللجنة الوطنية للقانون الدولي الانساني. وتم خلاله استعراض فكر وقيم الأمير عبد القادر، باعتباره مرجعا دينيا وفكريا وأخلاقيا في مجال القوانين الانسانية. وتم إبراز أسبقية الأمير الجزائري في سن القوانين المتعلقة بحماية ضحايا الحرب وحفظ حقوق الأسرى، حيث تم ذلك قبل ظهور المعاهدات الدولية المعروفة في هذا المجال لاسيما اتفاقيتي باريس وجنيف بعدة سنوات. ووصف المشاركون في الملتقى الأمير ب«رجل الحكمة ورجل الدولة والحاكم والاداري والمفاوض والدبلوماسي”. وتم كذلك التذكير بأهم مواقف الرجل في الجزائر عندما كافح الاستعمار الفرنسي، وفي دمشق حيث تم نفيه، والتي تحتفظ في ذاكرتها وذاكرة شعبها لغاية الآن بحادثة تدخل الأمير عبد القادر لمنع إبادة المسيحيين.