شخصية جزائرية متميزة بفكرها وثقافتها وانفتاحها على الآخر؛ حيث كانت السبّاقة في تفعيل حوار الحضارات وتلاقح الثقافات، وذلك من خلال ملتقيات الفكر الإسلامي التي كانت عالمية بكل أبعادها؛ الفكرية والفلسفية والحضارية؛ إذ مسحت في أعدادها فترات من تاريخ الفكر الإنساني منذ نزول الوحي إلى الإنشاءات الحضارية العظيمة التي أضاءت العالم كله. الشخصية المتميزة هي الأستاذ الدكتور مولود قاسم نايت بلقاسم، الذي صدر عنه كتاب عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في إطار سلسلة أعلام الجزائر في جزئه الأول، تحت عنوان “مولود قاسم نايت بلقاسم المفكر الجزائري الموسوعي”، وذلك بمناسبة الاحتفال بخمسين سنة من الاستقلال. لعل بعض الشباب المثقف لم يدرك هذه القامة الفكرية الجزائرية، وشباب التسعينات الذي عاش ظروفا غير طبيعية لم يدرك الكثير من القامات الجزائرية الفكرية منها والفنية، كمولود قاسم، مالك بن نبي، عبد المجيد مزيان، مصطفى الأشرف، أحمد حماني وغيرهم من الشخصيات الفكرية والعلمية، التي شهد لها القاصي والداني، واستطاعت أن تستقطب أساطين الفكر والثقافة على المستوى العالمي؛ من خلال ملتقيات الفكر الإسلامي، فمن هو المفكر مولود قاسم؟ وُلد مولود قاسم بقرية بلعيان دائرة أقبو ولاية بجاية، في يوم 06 جانفي 1927. درس العربية في مسجد القرية، ثم دخل المدرسة الابتدائية الفرنسية. حفظ القرآن الكريم في زاوية (تمقرة)، ثم انتقل إلى مدرسة قلعة بني عباس العصرية التابعة لجمعية العلماء، ومنها انتقل إلى جامع الزيتونة سنة 1946. وفي الزيتونة ظهر نشاطه السياسي وتحصّل على شهادة الجامعة سنة 1949، ومنها التحق بمعهد اللغات الشرقية بباريس، وفي نفس الوقت اشتغل بالمكتب الدائم لاتحادية حركة انتصار الحريات الديمقراطية. ومن معهد اللغات الشرقية التحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة، فتحصّل على شهادة ليسانس في الفلسفة بدرجة امتياز، وكان الأول في الدفعة. سنة 1954 سجّل بجامعة السربون موضوع “الحرية عند المعتزلة” لنيل شهادة الدكتوراه، إلا أنه تخلى عنه؛ تلبيةً للإضراب الذي دعا إليه اتحاد الطلبة المسلمين. ناضل مولود قاسم في جبهة التحرير في باريس من 1954 إلى 1956، ثم واصل مشواره العلمي والنضالي بجامعة براغ (تشيكوسلوفاكيا)56 /57، ثم عمل موظفا بمكتب جامعة الدول العربية بألمانيا. أُلقي عليه القبض سنة 1961، ودام توقيفه ثلاثة أشهر. شغل مولود قاسم بعد الاستقلال منصب مدير مكتب الأمين العام للمكتب السياسي منتدبا من وزارة الخارجية، ثم رئيس قسم البلدان العربية بوزارة الشؤون الخارجية، مستشار في الرئاسة، وزير التعليم الأصلي والشؤون الدينية من 1970 إلى 1977 ووزير لدى الرئاسة مكلفا بالشؤون الدينية 1977 إلى 1983. كان يكتب ويحاضر بخمس لغات، اقترح إنشاء جامعة إسلامية كاملة، فأعلن الرئيس بومدين القرار من تونس في 1972، فكانت جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة. أقام ملتقيات الفكر الإسلامي، وأنشأ مجلة “الأصالة”، ومن مؤلفاته “الجزائر” بالألمانية، طبعه مكتب جامعة الدول العربية سنة 1957، و«إنية وأصالة “و”أصالية أم انفصالية؟” و«شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل 1830”. وتوفي الدكتور الموسوعة مولود قاسم في 27 أوت 1992. يتضمن الكتاب، حسبما جاء في تصديره، مقالات مولود قاسم، وقد تم اختيارها لكونها منشورة في مجلات متفرقة، وهي مقالات فكرية، تاريخية، في اللغة والتعريب، في الإبداع ومجالات أخرى. الكتاب من القطع المتوسط، يتوزع على 458 صفحة وملحق للصور والفهرس. وقد صدر الكتاب عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف المركز الثقافي الإسلامي (الجزائر 2013م).