شهر رمضان شهر يراجع فيه الإنسان المؤمن نفسه ويعرضها على ما أنجزته وأخفقت فيه، فما أنجزته من خير، سواء لها أو لغيرها، يسأل لها الله على ذلك الأجر والثواب، وما اقترفته من شر في حقها وحق غيرها يسأل لها الله الرحمة والمغفرة والتوبة النصوح، خصوصا ونحن في بداية الرحمة. كلما حلّ الشهر الفضيل يظهر على بعض من الناس شيء من التغير، تغير للأحسن الأرفع، وتغير للأسفل الأوضع، أما التغير نحو الرفيع فيبرز في تهذيب السلوك والتصرفات عملا وقولا ومراقبة النفس حتى لا تنزلق فتقع في المحظور، ومن هنا تتأكد ثقافة السلوك، والتي تدخل تحت حيّز قوله صلى الله عليه وسلم فيما معناه: “إنما الدين المعاملة”؛ أي السلوك الذي يسلكه المؤمن مع غيره من إخوانه المؤمنين؛ لأنّ “المؤمنين إخوة”. كما تبرز صفة أخرى إضافية ينبغي أن يدرجها المؤمن في خارطة طريق صومه بالإضافة إلى سلوك المعاملة السابق الذي اشترطه الدين الحنيف في المؤمنين، ألا وهو ضبط النفس وتقييدها في عاملين أساسيين؛ وهما الصبر وكظم الغيظ؛ لأن وقت المؤمن في رمضان كله عبادة، أي يومه كله بليله ونهاره، وهو في صيامه كقائم في الصلاة؛ لا يصح له أن يقوم بعمل إلا بما يدخل في أعمال عبادته؛ من تكبيرة الإحرام إلى التسليم والخروج من الصلاة، وما ينطبق على الصلاة من حرمة ينطبق بالضرورة على الصيام، لمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: “لا يرفث ولا يفسق وإن سبّه أحد قال اللهم إني صائم”؛ أي أني في عبادة الصوم. وهناك تغير نحو الأوضع، الذي يجعل سلوك الصائم في درجة وضيعة، تنزلق به إلى مكاره الدنيا من خلال تعامله مع الناس؛ لأنه لم يحسن الأدب في تعامله مع ربه القائل على لسان رسوله: “كل عمل ابن آدم هو له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به ..” فيما معناه. وقد وصف الصيام بالعمل، والعمل في الصيام يتعلق مع الله من جهة، ومع الناس من جهة أخرى، وهنا يبدأ الانزلاق نحو الوضيع، حيث نلاحظ تغير سلوك الفرد في شهر رمضان من الأحسن إلى الأسوأ، فبدل أن يسلك سلوك الصائم يسلك عكس هذا السلوك، فيتحول من مبدأ “اللهم إني صائم” إلى مبدأ اللهم إني آثم! فتخسر الموازين، وتلتهب الأسعار، ويكثر الكلام الفاحش والخصومات، وإن سألت عن سبب هذا السلوك يقال لك: “غلبه رمضان”، أي أخرجه من حيّز العبادة المشروطة إلى مفسدات هذه العبادة التي نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا ينبغي للصائم أو من وجب عليه الصوم أن يلتزم بثقافة الصائم وسلوكه خصوصا في المعاملات، وأن يعطي للصوم حقه، ليكون صيامه لله كما جاء في حديث المصطفى: “إلا الصيام فهو لي”.