رأيت نفسي فيما يرى النائم هائما، أتجول في شوارع خالية إلا من الأسواق، أسواق خاوية من المتسوقة، تكدست سلعها وموادها أكواما، فاضت رفوفها فتدفقت في الأرصفة وخارجها، هممت بالدخول إلى إحداها، ثم تراجعت، لم أدخل وقد هجرها الناس، فلا أحد يرتادها أو يتبضع شيئا منها، فهل أنا أحسن حظا منهم جميعا، ثم لماذا هجرها الناس، ولماذا ينام التجار في هذه الأسواق على سلعهم المترامية.. أسئلة طرحتها على نفسي وأنا جاحظ العينين واجما، ثم تقدمت من إحدى الأسواق وهمزت أحد القائمين عليها، فانتفض مستيقظا كمن سقط في بركة باردة وانتصب واقفا: أهلا وسهلا، تفضل، كل شيء متوفر وبنصف السعر، بالتقسيط، تفضل.. ازدادت حيرتي واندهاشي، وراح يشدني إليه ويعانقني، كاد يتوسل إلي أن أشتري ولو كيلو سكر أو حبة حلوى تفاؤلا عسى أن أكون فأل خير له ولغيره من التجار الذين غص بهم المكان، وأحيط بي من كل جهة وفكرت في طريقة للتخلص من هذه الورطة التي سقطت فيها.. كنت تحت رحمة تاجر فأصبحت أقاوم آلاف التجار وكادوا يتقاسمونني إربا، وأنا لا أزال مندهشا.. أيتها الأحلام ما ذنبي تعذبينني يقظا ونائما، وما حيلتي أمام هذا الكم من المخلوقات، وما ذنبي أنا إن كنت عاجزا عن الاقتناء والتبضع من هؤلاء.. كان عليهم أن يعترضوا سبل الآخرين أو يشتروا هم بضائعهم من بعضهم شعرت وأنا أهم بالهرب بأيديهم تتسرب إلى جيوبي الخاوية، ولما ألفوها فارغة، انهالوا علي سبا وشتما وضربا، وأشبعوني ركلا فأغمي علي، ونمت لحظات في النوم تحت وطأة كابوس يكاد لا يفارقني حتى وأنا أسحب مرتبي.. ولما أفقت من الحلم الكابوس، انهالت علي كوابيس من نفس الجنس، تدعوني لحمل السلاح والخروج لمعركة السوق بصدر عار وجيوب فارغة.