أكد الباحث والأخصائي في علم الاجتماع عيسى قادري، أن الجزائر لا تحتوي على حقل ثقافي يتحرك فيه المثقف الجزائري، الذي لم يعد، عموما، يكتب عما يمس المجتمع، وفي مقدمته تناقضاته ولا حتى يحتكّ بالمجتمع المدني الضعيف أيضا. وقدّم قادري، في ندوة من «سهرات النيوز» بمقر جريدة «الجزائر نيوز» تحت عنوان «المثقفون الجزائريون والسلطة»، بعض التعاريف حول «المثقف»، فقال إن المثقف هو ذاك الذي لا ينتمي إلى أي تيار سياسي ولا يجب أن يقدّس أي شيء؛ أي أن يكون بعيدا عن أي تأثير كان. بالمقابل، قال المتحدث إن دور المثقف هو التنديد بكل ما هو عيب وخطأ. وطالب قادري المثقفين بالكتابة عن كل المواضيع التي تهم المجتمع إضافة إلى إجراء تحقيقات ميدانية عنها، داعيا، في السياق نفسه، إلى ضرورة التخصص في موضوع محدد بدل كثرة الكلام في شتى المواضيع، وبالتالي تناولها بسطحية. وحذّر المحاضر من استغلال حاملي الشهادات إيديولوجيا، مضيفا أن الجامعة أصبحت إيديولوجية وغير منتجة. كما ألحّ على وجوب أن يلتحق المثقف بالحركات الاجتماعية، مختتما كلامه بأن المثقف هو ذاك الذي يرفض الحراك بدون هدف. من جهته، اعتبر الدكتور عبد العزيز جراد الذي شارك في تنشيط الندوة، أن المثقف إذا لم يتصف بالفعل بدل اقتصاره على الكتابة، فلن يحرك المجتمع، مضيفا أن أهم مشكل يلاقيه المثقف في علاقته بالمجتمع هو اللغة، مقدما مثالا عن عدم اعتراف المثقفين الذين يكتبون باللغة الفرنسية، بنظرائهم الذين يكتبون باللغة العربية، والعكس صحيح. وأكد جراد أن المثقف الجزائري كان ومايزال حاضرا في الساحة، مشيرا إلى رفضه لمقولة تهميش المثقف الجزائري خلال الثورة التحريرية، مقدما أمثلة عن مجاهدين وشهداء مثقفين، مثل بن بعطوش ورضا حوحو وحيحي المكي وغيرهم. وتحدّث الأستاذ عن أنواع من المثقفين، فقال إن هناك مثقفين جزائريين يهمّشون أنفسهم ويعارضون كل شيء؛ أي أنهم في حال نقد دائم، كما هناك المثقف العضوي، الذي قد يكون في صورة الصحفي أو الخبير أو المستشار، وهو الذي تستعمله السلطة في بعض الأحيان وتقصيه أحيانا أخرى... وواصل الأستاذ ذكر أنواع المثقف، فقال إن هناك المثقف الفاعل، وقد يكون الجامعي والكاتب والفنان، وقد يتدخل في السياسة في وقت ما، مثل المثقف مصطفى لشرف، كما يوجد المثقف الذي يحمل قناعات سياسية مؤكدة، وفي الأغلب ينتمي إلى حزب معيّن، مؤكدا أن السلطة تحترس من المثقف حتى إنها تعاني من عقدة تجاهه. أما الأستاذ لزهاري رحاني فقدّم تعريفات للمثقف من عصر الأنوار إلى عصرنا الحالي، وتوقف مطوّلا عند تعريف إدوارد سعيد للمثقف، الذي يقول إن المثقّف هو الذي يتمتع بموهبة خاصّة، يستطيع، من خلالها، حمل رسالة ما أو تمثيل وجهة نظر معيّنة، فلسفة ما أو موقف ما. ودائما حسب تعريف إدوارد سعيد، فالمثقف هو ذلك الموهوب الذي يقوم علناً بطرح أسئلة محرجة، ويصعب على الحكومات أو الشّركات استقطابه؛ لأنّهم لو تمكّنوا من استقطابه لفقد المثقّف بعده النّقدي وخان نصّه الإبداعي. كما وجب عليه مواجهة كلّ أنواع التّنميط والجمود؛ لأن المثقّف، عموما، لديه الفرصة لأن يكون عكس التيّار.