تبقى الأزمة السياسية في تونس تراوح مكانها، وسط تعارض المواقف السياسية وطرح المزيد من المبادرات من هذه الجهة وتلك، لإخراج البلاد من حالة الانسداد الذي بلغته منذ حادثة اغتيال النائب البراهمي محمد، الشهر الماضي. وفي هذا السياق، أعلنت "جبهة الإنقاذ الوطنية" أمس، أنها ستواصل عملها من أجل التوصل إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني ترى فيها الحل الأنسب لإخراج البلاد من عنق الزجاجة العالقة فيها. وقالت الجبهة المعارضة، إنها وفي هذا السياق، ستتقدم الأسبوع القادم باقتراحاتها حول الشخصيات المستقلة التي تراها مناسبة للمشاركة في هذه الحكومة. كما أشارت إلى أنها سترفق مقترحاتها بخارطة طريق تكون محددة وواضحة المعالم حول تصورها لاحتواء الأزمة. ولكن كريمة سويد، نائب حزب المسار وعضو جبهة الإنقاذ التي تضم حركات من اليسار المتطرف إلى اليمين الوسط، جددت رفض المعارضة لأي مفاوضات مع حركة النهضة الحاكمة، ما لم تقدم حكومة علي العريض استقالتها. وقالت بلهجة فيها الكثير من التحدي والإصرار، إنه "لن تكون هناك مفاوضات دون تشكيل حكومة إنقاذ وطني، هذا أمر غير قابل للتفاوض". وتتبنى المعارضة التونسية مبادرة يعتبرها أنصار الحكومة "انقلابية"، كونها تقضي بحل المجلس التأسيسي الذي يعد أعلى سلطة منتخبة في البلاد، إضافة إلى حل الحكومة، ثم تشكيل "حكومة إنقاذ" صغيرة العدد، تترأسها شخصية مستقلة وتتكون من وزراء مستقلين لا يترشحون للانتخابات المقبلة. لكن النهضة التي فازت بأغلبية مقاعد المجلس التأسيسي في الانتخابات مر عليها أكثر من عام ونصف العام، رفضت تلك المبادرة وأبدت تمسكها بشرعية المجلس ورئاسة الحكومة، وعرضت في المقابل فكرة توسيع الحكومة على المعارضة. كما أعلنت الأسبوع الماضي، استعدادها للتفاوض من أجل التوصل إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها كل الأطراف حتى تتمكن من تجاوز هذه المرحلة الانتقالية الحرجة التي تمر بها تونس. وجاء موقف حركة النهضة غداة إعلان مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس الوطني التأسيسي، تعليق عمل هذا الأخير في قرار أضعف من موقف الإسلاميين الحاكمين الذين كانوا ضد فكرة حل المجلس والحكومة التي تصر عليها المعارضة. واضطرت النهضة على إثرها، إلى القبول على مضض قرار بن جعفر الذي سبق وأبدى مساندته لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ودفع ذلك برئيسها راشد الغنوشي إلى طرح فكرة إجراء استفتاء على بقاء المجلس التأسيسي والمؤسسات المنبثقة عنه، في اقتراح قبلته أطراف في المعارضة لكنها اشترطت أن يتم في إطار حكومة مستقلة. وبين هذه المواقف، تبقى حالة الترقب تسود الشارع التونسي في ظل الغموض الذي يكتنف مصير الائتلاف الحاكم الذي تقوده حركة النهضة، ويشارك فيه حزبا المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل، بعد تصاعد احتجاجات المعارضة منذ اغتيال البراهمي الشهر الماضي. ويواصل المعارضون لحركة النهضة التجند بالمئات والاعتصام بساحة الباردو بضواحي العاصمة تونس، حيث يتواجد مقر المجلس التأسيسي الذين يطالبون بحلّه، في مشهد صعد المخاوف من إمكانية تكرار السيناريو المصري في تونس بكل ما يحمله ذلك من مخاطر على مستقبل هذا البلد، الذي يواجه أيضا تحدي تنامي الظاهرة الإرهابية.