وجه رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، أمس، رسالة بمناسبة إحياء ذكرى اليوم الوطني للمجاهد، دعا من خلالها الشباب الجزائري إلى عدم "التفريط في التراث العيني" الذي خلفه رواد الثورة الجزائرية المجيدة. وأضاف الرئيس بوتفليقة في رسالته التي قرأها نيابة عنه وزير المجاهدين، محمد شريف عباس، خلال الاحتفالات الرسمية المخلدة لهذه الذكرى التي احتضنتها هذه السنة بلدية سيدي موسى بالجزائر العاصمة أنه "إذا كان الوطن اليوم يدخل خمسينية ثانية من عمر الاستقلال ويتطلع فيها إلى بلوغ أعلى المراتب في كل المجالات فإنه لابد للأجيال الجديدة على وجه الخصوص وهي المعنية ببناء هذه الخمسينية ألا تفرط في التراث العيني الذي خلفه هؤلاء الرواد". وحيا رئيس الجمهورية الروح التي حكمت هؤلاء الرواد "وهم يبدعون ويستنبطون الحلول الأصيلة ويواجهون التحديات القائمة والصمود والإصرار على الانتصار والاعتماد على الإمكانات الذاتية في المقام الأول وتحويل نقاط الضعف إلى قوة والمعروض الخارجي وإغراءاته إلى إضافات خصبة من خلال تحييد المؤثرات السلبية (...)". وتابع يقول إن "هذه الروح وهذه الطاقة التي ميزت أولئك الرجال من المجاهدين الشهداء والباقين منهم على العهد أمدهم الله بالعافية وطول العمر هي المعين الذي يتعين على الأبناء من الجيل الجديد أن يستفيدوا منه وأن يأخذوا منه ما يخدم حالهم ويقويهم على مواجهة متطلبات الحاضر وتحدياته". كما حث رئيس الدولة الأجيال الجديدة على "قراءة مثل هذه الأحداث العظيمة بعيون تغوص إلى أعمق ما تقتضيه القراءة الجادة للتاريخ". وبخصوص ذكرى 20 أوت 1955 و20 أوت 1956، أكد رئيس الجمهورية أن هذه الذكرى المزدوجة "تجسد برمزيتها مناسبتين كبيرتين ومعلمين خالدين من معالم الكفاح الوطني وتضحيات الجزائريين والجزائريات من أجل استرجاع السيادة الوطنية والتمكين لحقهم المشروع في الحرية وفي تقرير المصير". وأوضح أن "المناسبة الأولى تحيلنا إلى الهبة العارمة التي قامت بها مناطق الشمال القسنطيني وجهات أخرى من الوطن في 20 أوت 1955 ولاسيما في ساحات المواجهة ومواقع النزال". أما الذكرى الثانية -يواصل الرئيس بوتفليقة- "فكانت بمثابة الحدث المفصلي الذي جاء بعد عام من تلك الهجومات ليشكل هو الآخر انتقالا نوعيا في مسار ثورة التحرير وفي تقدمها الثابت نحو أهدافها المرسومة، وأعني به انعقاد المؤتمر التاريخي للثورة بوادي الصومام في 20 أوت 1956". واستطرد قائلا "وإذا تكلم التاريخ عن الحدثين وما تخللهما أو ما جاء بعدهما من المفاصل والأحداث العظيمة (...)، أقول إذا وضعها التاريخ في ميزان التقويم وموازنة الصراع، فإنه بكل تأكيد يضعهما في الكفة التي عززت مصير العراك وأسقطت الأراجيف والأوهام الاستعمارية التي كانت تحسب القضية محسومة وأنها لن تعدو أن تكون مجرد أحداث عابرة يعود بعدها كل شيء إلى سابق عهده". وشدد رئيس الجمهورية إنه "ليتعين على الأمة الجزائرية وقد مضت عقود طويلة على هذا الحدث المفصلي أن تداوم على ملازمة العرفان لأولئك العظماء من الرجال رواد التأسيس الذين نجحوا رغم قساوة الظروف واشتداد الخناق في تنظيم هذا المؤتمر التاريخي الذي أسفر عن تشكيل قيادة سياسية تتولى زمام الأمور وقيادة الشعب الجزائري نحو الهدف المنشود". وذكر بأن هذا المؤتمر مكن الثورة الجزائرية "من مؤسسات دائمة وتنظيم محكم حدد نطاق المسؤوليات التي يقتضيها الفعل التحرري والواقع الميداني داخل البلاد كما في خارجها". كما استطاع المؤتمر -يضيف الرئيس بوتفليقة- "أن يجتهد في قضايا جوهرية تتعلق بالخيارات وبالموقف من التجاذب الإيديولوجي المختلف والمحافظة على صفاء الثورة الجزائرية وعدم الانسياق وراء أي اتجاه كان إلا بما يحقق المصلحة والأهداف التي سطرها بيان أول نوفمبر 1954". وأشرف وزير المجاهدين، محمد الشريف عباس، على الاحتفالات الرسمية المخلدة لليوم الوطني للمجاهد وفي هذا الإطار قام بتدشين عدد من المرافق ببلدية سيدي موسى. وكان الوزير قد قام في وقت سابق بمقبرة الشهداء بالكاليتوس رفقة وفد يضم ممثلي السلطات المحلية وعدد من المجاهدين بالترحم على أرواح شهداء الثورة التحريرية. وعاشت ولايات الوطن احتفالات مماثلة إحياء للذكرى المزدوجة. ففي ولاية البويرة تم تدشين وبعث العديد من المشاريع التنموية على مستوى دائرتي حيزر وامشدالة. وأشرف الأمين العام للولاية، السيد عبد الرحمن فواتيح، رفقة المسؤولين التنفيذيين على إطلاق تسمية "جيش التحرير الوطني" على الشارع الرئيسي لمدينة حيزر. وبمقبرة الشهداء وضعوا إكليلا من الزهور بالنصب التذكاري ووقفوا دقيقة صمت ترحما على أرواح شهداء ثورة التحرير المباركة. وتم تدشين هياكل متعددة. وببلدية امشدالة أشرفت السلطات المحلية على بعث أشغال مشروع إنجاز 200 وحدة سكنية عمومية إيجارية كما تم تدشين مسبح جديد. ودشنت، أمس، سلطات ولاية بومرداس مقبرة جديدة للشهداء ببلدية بوزقزة قدارة التاريخية وسط حضور بارز لممثلين عن الأسرة الثورية والمنتخبين وإطارات الجماعات المحلية إحياء للذكرى. واطلعت على مشاريع مندرجة في المخطط البلدي التنموي منها بناء حديقة عمومية وملحقاتها إلى جانب تهيئة شوارعها وأرصفتها. وانطلقت الاحتفالات في الصبيحة بقاعة المحاضرات لولاية بومرداس، حيث استعرض الأمين العام لمنظمة المجاهدين المحلية، السيد ظريف، لمحة تاريخية عن يوم المجاهد ومؤتمر الصومام في مسار وإنجازات القضية الوطنية. وانتقل الوفد الرسمي بعدها إلى وسط المدينة، حيث تم رفع العلم الوطني بالنصب التذكاري وقراءة فاتحة الكتاب ترحما على أرواح شهداء الثورة التحريرية. وبدورها، أحيت ولايات الجنوب الذكرى عبر تنظيم عديد التظاهرات، حيث توجهت السلطات المحلية رفقة جموع من المجاهدين وأبناء الشهداء والمواطنين إلى مقابر الشهداء لرفع العلم الوطني والاستماع إلى النشيد الوطني ووضع أكاليل من الزهور على النصب التذكاري للشهداء وقراءة فاتحة الكتاب ترحما على أرواح الشهداء الأبرار. كما نظمت تظاهرات احتفالية مماثلة تميزت بصفة خاصة بإقامة معارض للصور والوثائق التاريخية التي تتطرق إلى كفاح الشعب الجزائري ومختلف المراحل التي مرت بها الثورة التحريرية الكبرى إضافة إلى تكريم عدد من المجاهدين. وبرمجت دورات رياضية متنوعة. كما أحيت ولاية سكيكدة ذكرى يوم المجاهد بتنظيم العديد من الأنشطة الثقافية والرياضية والفنية ومعارض بالصور الفوتوغرافية التي تلخص مسيرة كفاح الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي. وبعاصمة الولاية تميزت الاحتفالات بتوجه السلطات المدنية والعسكرية والعائلة الثورية ومواطنون إلى مقبرة الشهداء، حيث تم رفع الراية الوطنية وقراءة فاتحة الكتاب والترحم على أرواح الشهداء الأبرار ووضع أكاليل من الزهور. وبقاعة عيسات ايدير بوسط المدينة ألقيت محاضرة من قبل رئيس جمعية أول نوفمبر تمحورت حول هجمات 20 أوت 55 وأهدافها والدور المتميز الذي لعبه مهندس هذه الهجمات البطل الشهيد زيغود يوسف.