دخل وزيرا الخارجية، الروسي سيرغي لافروف، والفرنسي لوران فابيوس، في حرب كلامية واتهامات على خلفية مضمون تقرير مفتشي الأممالمتحدة حول الأسلحة الكيماوية السورية.وبلغة الفعل ورد الفعل، راح الوزيران، كل حسب مصلحته، إما باتهام المفتشين أو الدفاع عنهم على مقربة من حراك دبلوماسي داخل مجلس الأمن من أجل صياغة لائحة أممية جديدة حول سوريا وكيفية التعامل معها في حال رفضت التعاون في مسألة تفكيك ترسانتها من الأسلحة الكيماوية. فبينما راح الوزير الروسي يتهم فريق المفتشين الأمميين بالانحياز إلى جانب طرف على حساب طرف آخر في الأزمة السورية، راح نظيره الفرنسي يدافع عنهم وبلغة حادة خرجت مصطلحاتها عن إطارها الدبلوماسي. وكلما أدلى رئيس الدبلوماسية الروسي بتصريح في هذا الشأن إلا ورد عليه فابيوس مفندا ما قاله لافروف في لعبة تبادل للاتهامات والرسائل الدبلوماسية المشفرة تأكد أنها على علاقة مباشرة بالتحركات المكثفة التي بدأت في كواليس مجلس الأمن الدولي تحسبا لاستصدار اللائحة الجديدة. وتريد روسيا من خلال موقفها الحازم أن لا تعطي أية مبررات للدول الغربية من أجل تضمين اللائحة المرتقبة أية إشارة إلى الفصل السابع لميثاق الأممالمتحدة الذي يجيز اللجوء إلى القوة العسكرية في حال أخلت دمشق بالتزاماتها بخصوص تدمير ترسانتها من الأسلحة الكيماوية بينما تقوم فرنسا بنقيض ذلك من أجل إدراج هذا البند في لائحة اشتد الجدل بشأنها حتى قبل أن يتم الكشف عن مشروع نصها الأولي. ولم يكن رفض وزير الخارجية الفرنسي لتصريحات لافروف بعدم أحقيته الطعن في "موضوعية مفتشي الأممالمتحدة" سوى رسالة إلى موسكو التي أكدت بلغة صريحة على انحياز واضح للمفتشين إلى جانب طروحات المعارضة السورية التي تتهم دمشق بالوقوف وراء مجزرة الغوطة في 21 أوت الماضي. ويتأكد من يوم لآخر أن حدة الصراع الدبلوماسي بين روسياوالولاياتالمتحدة ومعها فرنسا وبريطانيا ستشتد خلال الأيام القادمة على خلفية الاتفاق المتوصل إليه بداية الأسبوع الماضي حول الترسانة الكيماوية السورية بين سيرغي لافروف وجون كيري بمدينة جنيف السويسرية. ويبدو أن الدول الغربية تفطنت متأخرة إلى أن روسيا حققت نصرا دبلوماسيا بعد التوقيع على هذا الاتفاق الذي أفشل عليها خططها لضرب سوريا وهي تسعى إلى تدارك ما فاتها عبر تشديد اللهجة من جديد ضد سوريا ومحاولتها تضمين ذلك في نص لائحة مجلس الأمن الدولي التي ينتظر أن تضع ضوابط تنفيذ ما أصبح يعرف باتفاق جنيف. وفي وقت أكد فيه وزيرا خارجية الولاياتالمتحدةوفرنسا أن روسيا أصبحت تسبح عكس تيار الإرادة الدولية، سارت الدبلوماسية الروسية في اتجاه مناقض بخصوص نتائج تقرير مفتشي الأممالمتحدة وأكدت أنها تتوفر على أدلة تورط المعارضة السورية في مجزرة الغوطة وأنها بصدد جمع الأدلة التقنية لتأكيد ذلك. وسبق لخبراء عسكريين روس أن أكدوا أن بقايا صاروخ أرض أرض الذي استخدم لإطلاق غاز السارين المحظور دوليا في الغوطة من صنع تقليدي في تلميح واضح إلى أن يكون من صنع الجيش السوري الحر المعارض. وفي حال تمكن خبراء روس من تأكيد هذا الطرح الذي بنوه على تقارير رسمية سورية فإن ذلك سيكون ضربة قوية ليس فقط لمفتشي الأممالمتحدة ولكن أيضا للدول الغربية التي تريد اعتماد تقرير هؤلاء من أجل تشديد الخناق على النظام السوري وأيضا ضد المعارضة السورية المسلحة التي ستفقد ثقة المؤيدين لها على اعتبار أن ما حدث في الغوطة "جريمة حرب" إذا أخذنا بتصريحات الأمين العام الأممي بان كي مون. وهو ما تأكد في أول جلسة لأعضاء مجلس الأمن التي انتهت ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء دون التوصل إلى أية نتيجة ملموسة على طريق المصادقة على اللائحة المرتقبة حول الكيمياوي السوري. والمؤكد أن العملية لن تكون سهلة وأن مقر مجلس الأمن سيكون حلبة لصراع دبلوماسي حقيقي سينتهي حتما إلى رفع ورقة النقض من أحد الأطراف الفاعلين مما يعيد الجدل إلى نقطة البداية والأزمة الى نقطة الصفر.