تعكف وزارة الداخلية والجماعات المحلية حاليا، على إعداد دراسة تقنية، تهدف من خلالها إلى توحيد نظام الميزانية عبر كافة البلديات بعد التأكد من أن البلديات التي تشكل عواصم الدوائر، تتوفر على نظام ميزانياتي متطور، يسمح بمراقبة أفضل للنفقات والإيرادات، ويساعد المراقبين الماليين على اكتشاف ثغرات التسيير في الوقت الذي لا يطبَّق هذا النظام على مستوى 949 بلدية عبر الوطن، خاصة منها البلديات النائية؛ الأمر الذي أغرقها بعد ذلك في سوء التسيير المالي والديون، وانعكس سلبا على سيرورة التنمية المحلية. وكشف مدير المالية المحلية بوزارة الداخلية السيد عز الدين كري مؤخرا من وهران، خلال يوم دراسي جهوي حول “الإطار الميزانياتي الجديد للبلديات”، أن السبب في كل هذا يعود إلى اعتماد هذه البلديات على تطبيق المدوّنة القديمة للميزانية، التي ينظمها المرسوم رقم 67 / 144 المؤرخ في 31 جويلية 1967، المتضمن تصنيف الإيرادات والنفقات الخاصة بالبلدية، بينما هناك 547 بلدية على المستوى الوطني، تطبق المدوّنة الجديدة وفق المرسوم رقم 84 /71 المؤرخ في 17 ديسمبر 1984، ومثال ذلك أنه يوجد بولاية وهران 17 بلدية تطبق المدوّنة القديمة، وبقية البلديات تعمل وفق المدونة الجديدة. وكشف السيد عز الدين كري أن الحكومة مسحت ديونا بقيمة 100 مليار دينار، كانت مترتبة على البلديات المذكورة في فترة التسعينيات؛ حيث تم مسح هذه الديون على فترتين، الأولى سنة 2003 والثانية عام 2006، وتَسبب افتقار البلديات لهذا الإطار الميزانياتي المطبق في البلديات الواقعة بمقر الدوائر، في الإبقاء على “ضبابية” التسيير وتعسير مهمة المراقبين الماليين، الذين تسعى الوزارة الوصية، حسبما كشف عنه المسؤول، لتعميمهم مستقبلا على مستوى كافة البلديات المنتشرة عبر الوطن، إذ غالبا ما يقوم في الفترة الحالية مراقب مالي واحد بمراقبة ميزانيات 8 بلديات دفعة واحدة؛ مما يصعّب مهمة المراقبة. كما انتقد المشاركون في اللقاء المذكور، ضعف تحصيل البلديات لإيراداتها ومواردها المالية المستحقة، التي كانت في الماضي تغطي 25 بالمائة من نفقات الجماعات المحلية، لتنخفض اليوم إلى أقل من 10 بالمائة، حسبما أوضحه السيد كري؛ وذلك بسبب الهوة الكبيرة بين الأسعار الرمزية المطبقة في كراء أملاك البلديات وأسعارها الحقيقية في السوق، إذ تستفيد أطراف من أسعار زهيدة مقابل استغلالها ممتلكات البلديات، التي تدرّ عليهم الملايير سنويا، فيما تستفيد خزائن البلديات من “الفتات”، على غرار الروضات القاعات متعددة الرياضات والمكتبات والمركّبات الرياضية الجوارية والأسواق الشعبية وغيرها من أملاك البلدية، وهو ما جعل الوصاية تفكر في التعجيل برفع أسعار استغلال الممتلكات التابعة للبلديات؛ بغية رفع مساهمة مداخيل الكراء في الميزانيات البلدية السنوية وتحقيق الاكتفاء المالي. وأضاف المصدر أن الهيئة المكلفة بإجراء هذه الدراسة، توصلت إلى أن نسبة تحصيل عوائد الممتلكات البلدية لم تتعد ال10 بالمائة في ميزانيات أغلب البلديات، في الوقت الذي لاتزال إعانات الدولة المموّل الرئيس لأغلب البلديات. ونفى المتحدث تسجيل أي عجز في ميزانية تسيير كافة البلديات منذ 2010 إلى يومنا هذا. وتتضمن بنود الإطار الميزانياتي الجديد، حسب التسمية الجديدة التي أطلقتها مصالح وزارة الداخلية، تبويب عدد من النفقات، التي كانت لا تجرَّد فيما مضى، في الميزانيات على غرار المشاريع المشتركة ما بين البلديات، ومشاريع التوأمة بين بلديات الوطن والمدن الأجنبية، حيث سعى المشرع لتبويب إعانات الدولة والولاية في الإطار الميزانياتي الجديد نسبيا على البلديات النائية، وأضيفت 3 مواد جديدة، مما استلزم تدوينها في الميزانية السنوية، فيما فرضت الوزارة الوصية على “الأميار” تدوين وتبويب النفقات الموجهة للعناية بأماكن العبادة والمقابر، التي كانت مبوَّبة فيما مضى في باب “النفقات الموجهة للعناية بقطاع الثقافة”، وأنه يجب على الكاتب العام للبلدية في إطار هذه التعليمات الجديدة، إنجاز الميزانية قبل 31 أكتوبر من كل عام، فيما يُفرض على المجلس الشعبي البلدي المصادقة عليها في مداولة رسمية، يكون إبداء رأي أعضاء اللجنة الاقتصادية والمالية بالمجلس فيها، إلزاميا، قبل أن تحال على أعضاء المجلس الشعبي البلدي للمناقشة والإثراء، ثم المصادقة عليها في الآجال المحددة قانونا. وفي هذا الإطار، أكد العديد من إطارات المالية المحلية في وزارة الداخلية، أن الوصاية سعت من خلال هذه الإثراءات والتعديلات الجديدة، للإحاطة بمجمل الثغرات المسجلة والمشاكل التي كانت تشكل عوائق أمام تطوير أداء البلدية. وقدّمت، بالمناسبة، إحصائيات حول مساهمة “الصندوق المشترك للجماعات المحلية”، في تمويل البلديات منذ فترة الثمانينيات إلى غاية 2012، حيث بلغت قيمة المساهمة الإجمالية أكثر من 774 مليار دينار، خُصص منها ما نسبته 18 بالمائة للتجهيز، و82 بالمائة للتسيير.