كشف المدير العام للغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة السيد محمد شامي، عن تعديلات في التشريعات الداخلية الخاصة بالتحكيم بين المؤسسات، تخص الإجراءات وتفاصيل العملية التي يشرف عليها مركز الغرفة الذي أُنشئ سنة 2003، موضحا بأن هذه التغييرات التي ستطبَّق ابتداء من سنة 2014، تهدف إلى تدارك النقائص ومعالجة الاختلالات التي ظهرت في التشريعات السابقة، لاسيما في ظل الانفتاح الذي يشهده الاقتصاد الجزائري. شامي الذي ذكر بأن طرح مسألة التحكيم التجاري تم لأول مرة سنة 1993؛ حيث تمت المطالبة بضرورة وضع تشريعات تسمح بتوفير هذا النوع من التسويات في الجزائر، قال إن التشريعات عرفت تطورا ملحوظا، وتُوجت بإنشاء مركز للتحكيم على مستوى الغرفة الجزائرية للتجارية والصناعة سنة 2003، والذي يضم "محامين من المستوى الرفيع"، مذكرا بأن المحامي الكبير المرحوم محند يسعد، كان ضمن مؤسسيه وواضعي التشريعات الخاصة به. وفي تقييمه لعمل المركز، أشار في افتتاح ملتقى تحسيسي نُظم أمس بالعاصمة حول "ممارسة التحكيم التجاري"، إلى أنه خلال عشر سنوات تم تحقيق أشياء كثيرة، لكن التشريعات أظهرت بعض النقائص، مما استدعى وضع تعديلات لمواكبتها أكثر مع الواقع الاقتصادي للجزائر، ولهذا فإن الغرفة التي تعمل على مرافقة المؤسسات الجزائرية لجأت إلى تنظيم هذا اللقاء الموجَّه للمتخصصين في القانون على مستوى المؤسسات، لاسيما الذين يعملون في مجال التجارة الخارجية والمحامون والموثقون والمستشارون، إضافة إلى المتعاملين الاقتصاديين العموميين والخواص. والعمل لن يتوقف هنا، كما أشار شامي، الذي أعلن عن تنظيم لقاء في الأسابيع المقبلة، حول كيفية تحضير العقود التجارية، التي تُعد هامة جدا في حالة طرح أي نزاع واللجوء إلى التحكيم. وفي تصريح هامشي ل "المساء"، أوضح المدير العام ل "كاسي"، أنه إلى غاية 1993 لم يكن بإمكان المؤسسات الجزائرية أن تلجأ إلى التحكيم في حال وجود أي نزاعات، مع استثناء بعض المؤسسات الكبرى مثل سوناطراك وسونلغاز، "التي لولا وجود بند ينص على إمكانية لجوئها للتحكيم لما تمكنت من توقيع عقود مع شركات أجنبية؛ لأن الأخيرة سترفض التعامل معها؛ على اعتبار أنه في حال وجود أي نزاع فإن التشريعات الجزائرية ستحكم لصالح المؤسسات الجزائرية حتما، لذلك كانت المؤسستان تلجآن إلى غرفة التجارة والصناعة لباريس لإجراء التحكيم... لكن باقي المؤسسات تلجأ إلى المحاكم العادية".وبالنسبة لمحدثنا، فإنه لا يُعقل أن نطبّق اقتصاد السوق دون توفير أدواته، ومنها التحكيم، "فإذا أردنا جلب الاستثمارات الأجنبية فلا بد من ورود التحكيم على المستوى التشريعي، لاسيما أننا وقّعنا على اتفاقيات دولية في هذا المجال"، كما أشار إليه، مضيفا بأن ذلك كان يتطلب إعادة النظر في القانون المدني، وهو ما تم بالفعل. ولحد الآن تمت معالجة حوالي عشر قضايا في مركز التحكيم التابع للغرفة، حسب شامي، الذي أرجع كثرة عدد القضايا المرفوض التحكيم فيها، إلى وجود أخطاء في تحرير العقود. وعن مزايا التحكيم، تحدّث عن سرعة البتّ في النزاعات وكذا إمكانية اختيار المكان واللغة التي يتم بها التحكيم، وأيضا السرية المضمونة لصاحب المؤسسة، الذي لن يكون مجبرا على الكشف عن تفاصيل قضيته أمام الرأي العام، مثلما يحدث في المحاكم. لكن يجب العلم أنه عكس الصيغ الأخرى لتسوية النزاعات في القضايا التجارية مثل الوساطة والمصالحة، فإن اللجوء إلى التحكيم وإن كان اختياريا، تُعد نتائجه واجبة التطبيق على المتنازعين. وهو ما أوضحه المحامي نصر الدين لزار في مداخلة حول صيغة التحكيم في النزاعات التجارية، حين أشار إلى أن اختيار اللجوء إلى التحكيم، يعني ضرورة القبول بالحكم النهائي وتطبيقه، لأن الطرفين قبلا هذه الصيغة وقبلا بالمحكمين. وأوضح في هذا السياق، أن هناك طريقتين للتحكيم، الأولى حرة، وتعني إنشاء هيئة تحكيم خاصة بالنزاع المطروح، والثانية مؤسساتية؛ أي يتم اللجوء فيها إلى مؤسسة متخصصة في التحكيم لطرح النزاع، وهي الأكثر استخداما، حسب المتحدث، الذي كشف بأن بين 60 و70 بالمائة من النزاعات تُطرح في إطار التحكيم المؤسساتي. وعلى الهامش، اعتبر السيد لزار أن كل نزاع لا تتمكن العدالة من تسويته بصفة مقبولة، هو "خطر على الاقتصاد"، مشيرا إلى خطورة طرح قضايا تجارية أمام قضاة غير متخصصين، والذين في كثير من الأحيان يفضّلون تطبيق القانون بحذافيره دون الالتفات إلى المصلحة الاقتصادية. أما بالنسبة للتحكيم الخارجي، فتأسّف المتحدث لكون كثير من المؤسسات الجزائرية تتنازل عن نزاعاتها؛ لأنها لم تتمكن من مسايرة وتسيير ومتابعة التحكيم التجاري، وإما لأنها سيّرته بكفاءات متواضعة، "وهو ما يجب أن يكون محل تساؤل، يؤكد المتحدث. وتأسّف كذلك لإسناد الدفاع عن المصالح الجزائرية في كثير من النزاعات "ذات المصالح الضخمة"، إلى مكاتب أجنبية؛ بذريعة غياب كفاءات جزائرية قادرة على ذلك"، معتبرا ذلك خطأ جسيما، مشيرا إلى أن الكثير من المحامين الجزائريين "تبنّتهم مؤسسات في دول أجنبية كمحكمين وكمحامين، بينما تبتعد عنهم المؤسسات الجزائرية".