استمتع جمهور قسنطينة بالمسرح الجهوي بالعرض الشرفي لمسرحية “سمفونية التراب والنفوس المضطهدة” من إخراج الفنان عنتر هلال مناصفة مع أحسن بن عزيز، وهو عمل اقتبسه الفنان محمد الطيب دهمي عن كتاب “مأساة شي غيفارة” للشاعر الفلسطيني معين بسيسو، ونال إعجاب المتتبّعين من عشّاق الفن الرابع. تنساب أحداث المسرحية في شكل تسلسلي سردي لوقائع حياة الفلاحين والعمال البسطاء وعلاقتهم مع الثورة ومساهمتهم الكبيرة في إنجاح عملية التمرّد على المستعمر، حيث يمثل هذه الطبقة في المسرحية الشيخ الدراجي الأب والفلاح الجزائري المجاهد الذي تربطه علاقة وطيدة بالأرض، وكان حوار المسرحية بسيطا يعتمد على اللغة الدارجة في أغلب الأحيان، يصوّر مشاهد درامية في قالب هزلي يستنكر الواقع الذي يفرضه المستبدّ على الشعوب المستعمرة. وترتكز أحداث المسرحية التي شارك فيها 13 ممثلا من الجيلين القديم والجديد بمسرح قسنطينة الجهوي، على الصراع القائم داخل بيت الشيخ الدراجي على غرار الصراعات الموجودة داخل أيّ عائلة، ويصنع بطولة هذا الصراع ولدا الشيخ الدراجي، حيث يتشبّع الابن الأوّل بمبادئ المواطنة والتحرّر وينبذ الاستعمار والاحتلال مما يجعله يسلك طريق الجهاد ويسقط شهيدا في سبيل الحرية، أم الولد الثاني للشيخ الدراجي فيعاكس تماما مسار أخيه، حيث يميل إلى دفة المستعمر ويخون عهد الآباء والأجداد. ومزج المخرج عنتر هلال خلال هذا العرض المسرحي الذي دام حوالي ساعة، بين المسرح الكلاسيكي ومسرح التفاعل، حيث أدخل تقنية الحديث في صنع الجو العام للمسرحية والسينوغرافيا بالاعتماد على تكسير الحاجز بين المشاهد والممثل، من خلال استعمال جهاز عرض الصور “الداتاشو” الذي قدّم صورا عن بشاعة وفظاعة المستعمر وطريقة تعامله مع المستضعفين، كما استعمل عنتر هلال في ديكوره بعض المواد الرفيعة على غرار التبن والخشب وهي مواد تميّز الحياة اليومية للفلاحين، كما استعمل في ديكوره عربة في طور الإنجاز في رمزية تطوّر الثورة وبنائها من طرف أبنائها. وعن سبب اختياره لهذا الموضوع، أكّد الفنان عنتر هلال أنّ هذه المسرحية تحمل رسالة البحث عن الحرية ومكافحة الاستعمار بكلّ أشكاله، هذا المستعمر الذي استبد بعديد الشعوب عبر المعمورة، مضيفا أنّ اختيار نص للشاعر الفلسطيني الثائر معين بسيسو الذي وافته المنية سنة 1984، تشريف لنضال هذا الرجل الذي يعدّ رمزا من رموز الثورة والنضال بقلمه وفكره، حيث فسّر الفنان عنتر هلال اسم المسرحية “سمفونية من التراب” بالترابط بين السمفونية التي تعدّ مجموعة من النوتات والتي اعتبرها المخرج قوى الشر من امبريالية رأسمالية وصهيونية عنصرية، واغتصابها للأرض ممثلة في التراب. وحسب عنتر هلال فإنّ الفنان القسنطيني يبذل مجهودات جبارة، كلما أتيحت له الفرصة، حيث أبدى أمله في الاستفادة من إعانات مادية من طرف الدولة توجه لمسرح قسنطينة حتى يتمكن من إنتاج ما بين 4 إلى 5 مسرحيات كل سنة، معتبرا أنه حان الوقت لتكوين جيل جديد، مؤكّدا أنّ التكوين الجيد لا يكون إلاّ على خشبة المسرح، ليضيف أنّهم كجيل قديم مستعدون لتسليم المشعل إلى الجيل الجديد مثلما قدّمه جيل الثورة إلى جيل الاستقلال.