أحيا حزب جبهة التحرير الوطني أمس بمقره بحيدرة، أربعينية الفقيد الراحل الدكتور أبو القاسم سعد الله، حضرها الأمين العام للحزب عمار سعداني وجمع من المناضلين والمثقفين ورفقاء الراحل، الذين عرضوا جوانب مضيئة من حياة هذه الشخصية العلمية الوطنية. نشّط اللقاء الأستاذ محمد بوعزارة، الذي طلب من الحضور الوقوف دقيقة صمت ترحما على روح سعد الله وعلى روحي الراحلين رابح بلعيد وامحمد بن ڤطاف، ليرحّب بعدها بأعضاء المكتب السياسي وأعضاء اللجنة المركزية بالحزب وأعضاء البرلمان والوافدين، خاصة من طلبة سعد الله. وأشار الأستاذ بوعزارة إلى أن الوقفة هي مبادرة من الأمين العام للحزب، وبإشراف من قطاع التكوين للحزب، وهي ليست لقاء تأبينيا بقدر ما هي ندوة وتكريم لهذا المؤرخ والأديب والشاعر والعالم الموسوعي. من جانبه، أكد السيد سعداني أن اللقاء ليس تأبينية؛ ذلك لأن سعد الله مازال في الوجدان، ولأن الموت ليس لأمثاله من العلماء الذين كرّمهم الله، مضيفا أن اللقاء نُظم في إطار واجب العرفان والوفاء لعلم من أعلام الجزائر البارزين، أفنى حياته في التأليف والتدريس والبحث والتنقيب في الشخصية الجزائرية وفي عبقرية شعبها، كان يذود عن تاريخنا الوطني، وبعد الاستقلال حفلت مسيرته في البحث والتوجيه، وتخرّج على يديه قوافل من الطلبة. برز نجمه - يشير المتحدث - في موسوعته "تاريخ الجزائر الثقافي"، وواصل وفاءه لوطنه بعيدا عن أية أطماع أو خلفيات منذ أن كان طالبا بالولايات المتحدة قبيل الاستقلال، عندما تكفلت الجزائر ببعثته إلى هناك. أشار سعداني إلى أن الراحل أخلص لوطنه، فكان المناضل والناقد والمحقق، وكان الوطني الفذ؛ لذلك يبقى اسمه شامخا لا تمحوه الأيام ولا يطاله النسيان، تذكره أعماله وتراثه العلمي الثقيل، المتمثل في أكثر من 50 مجلدا، إضافة إلى الأعمال التي ترجمها. والراحل عمل أيضا من أجل تأسيس مدرسة وطنية أصيلة لتدوين تاريخنا. تَعفّف عن المناصب والمكاسب؛ لأنه كان يراها ملهاة عن رسالته، فكان العصامي الثائر الذي حارب الظلم، فانخرط مبكرا في الثورة. الجانب الأول من اللقاء خُصص ل 4 مداخلات، الأولى نشّطها الدكتور محمد العربي الزبيري صديق الراحل، وكانت بعنوان "جوانب أخرى من حياة أبو القاسم سعد الله"، تطرق فيها لإصرار الراحل على كتابة التاريخ الوطني بعدما شوهته المدرسة الكولونيالية عبر مختلف مراحله، وعمل على إيجاد مفاهيم علمية ومصطلحات ومفاتيح تغنينا عن القراءات التاريخية الفرنسية المشبوهة، واستطاع أن ينجز أشياء مهمة رغم صعوبة المهمة ورغم العراقيل التي منعته من أن يؤسس لمدرسة تاريخ جزائرية، كما حاول مع المتحدث إنشاء مدرسة ترجمة من أجل الاطلاع على الوثائق التاريخية من مصدرها الأول، لتفادي الكتابة التاريخية العرجاء. أما الدكتور إبراهيم لونيسي من جامعة سيدي بلعباس، فقدّم محاضرة بعنوان "رسائل من شيخ المؤرخين، آراء ورؤى"، عرض فيها الرسائل ال 18 التي راسله بها الراحل في فترة إقامته بالولايات المتحدة، ثم بالأردن بداية التسعينيات، علما أنه كان تلميذه في قسم الماجستير، وكانت أول رسالة بتاريخ 16 جانفي 1994، وكلها تتجاوز حدود الرئاسل العادية إلى درجة مقالات الرأي، وهي حاليا تحت الطبع بتصدير للدكتور بلغيث، وفيها نكتشف الرجل أكثر؛ حيث كان يشكو فيها الغربة، ويبحث بلهف عن أخبار الجزائر، ويعلّق فيها على قضايا راهنة مهمة، ويحث على البحث وتجنب تكرار الغير فيه، ويعلّق على ما يصدر من دراسات في الجزائر. الدكتور أحمد حمدي قدّم من جهته، مداخلة بعنوان "أبو القاسم سعد الله شاعرا وأديبا"، تطرق فيها لذكرياته مع الراحل عندما كان تلميذه بالجامعة، ثم المشرف على رسالته في الماجستير، ثم قدّم بعض أهم أعماله المؤرخة للحركة الأدبية في الجزائر، التي اكتشف فيها أن "حكاية العشاق في الحب والاشتياق"، هي أول رواية عربية، صدرت سنة 1849 لمصطفى بن براهيم، ثم تحدّث الدكتور حمدي عن دواوين سعد الله الشعرية، منها ديوانه الأول "النصر للجزائر"، الذي طُبع بالقاهرة سنة 1957، والذي كتب مقدمته أحمد توفيق المدني، ثم ديوانه الثاني "ثائر وحب" الصادر سنة 1967، ثم "الزمن الأخضر" عام 1985 (أعمال شعرية كاملة.. مبيّنا رؤياه للشعر من خلال حرصه على تحديد المصطلحات الشعرية، متجاوزا الخطاب العابر المنتهي في حينه، فكان يرى للشعر وظيفة اتصالية تجري في أعماق الزمن، كان يحترم اللغة الشعرية والإيقاع والصورة الشعرية والخيال البارع. الجانب الثاني من اللقاء خُصص للشهادات، كان منها شهادة قدّمها الأستاذ حرز الله، الذي اعتبر الراحل مؤسسة ورائدا للشعر الحديث في الجزائر، وفي القصة القصيرة والنقد، وأول من كتب عن الحركة الوطنية بعد الاستقلال، وتناول حياته مع الناس، وكيف كان يحمل أخلاق الأنبياء وتواضع العلماء، ولم نجد صفاته - كما يؤكد - عند بني البشر. حرز الله أهدى نجل الراحل لوحة زيتية للطاهر ومّان، كانت ستُهدى له سنة 2008 في ملتقى الشاعر آل خليفة، الذي كرّمه (الدورة الثانية ببسكرة)، كما وعد بجمع إنتاجه ونشره. توالت الشهادات من الرفاق والتلاميذ، ليكرّم الأمين العام السيد سعداني نجل الراحل الذي حضر اللقاء، وهو الدكتور أحمد سعد الله، بشهادة عرفان ولوحة تذكارية.